فوزية الجار الله
يبدو أن هذا زمن يتراجع فيه الكتّاب والكتب ويسود فيه (السنابيون) الذين يبلغ متابعوهم أعداداً هائلة وإن كان الهدف بضع صور وقليل من «قهقهات». (السنابيون) نسبة إلى السناب شات Snap chat.
وفي هذا السياق قرأت العنوان التالي:
(البلد العربي الأكثر استخداماً لتطبيق السناب شات) حالما قرأت العنوان وجدت في داخلي حدساً للإجابة وقد صدق حدسي: حيث يأتي ترتيب بلادنا «السعودية» الثانية في هذا المجال!
إذ إنه سبق لي أن قرأت بأننا الشعب الأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي، وكان يمكن أن أكون سعيدة ومبتهجة إلا أن الأمر على عكس ما يتوقع بعضكم، فأنا أدرك وأعي تماماً من خلال استقراء اهتمامات كثير من المحيطين بي أو ممن أصادفهم عبر الإنترنت أو عبر قراءاتي بأن كثيراً من المهتمين بالسناب شات هم ممن لا يميلون إلى القراءة وليس لديهم علاقة حميمة أو حتى مجرد صحبة عابرة مع الكتاب، وأن كثيرين ممن يستخدمون السناب شات يستخدمونه للتسلية والمتعة وقد أصبحت موجة عارمة امتدت عبر المسافات والبحار والقارات، تجد عبر هذه الوسيلة شباباً وشابات، رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً بعضهم يعرض ما يفيد لكن الأغلبية الساحقة منهم هي شخصيات استعراضية فارغة.
فهذه تصور رحلتها إلى بلاد العام سام (أمريكا) منذ خطواتها الأولى لترتيب حقائب السفر من الرياض حتى نهاية الرحلة، وما بين الذهاب والإياب تستعرض عبر لقطات فيديو سريعة كل ما يحدث لها ولعائلتها وتبعث به أولاً بأول إلى صديقاتها هنا وهناك، وهي تستعرض رحلات التسوق والحقائب ذات العلامات الشهيرة (الماركات) التي اقتنتها والمطاعم التي زارتها ورقصات الشوارع التي حضرتها، وصرخات أطفالها وضحكاتهم ولا تنسى أيضاً استعراض حالة زوجها في كافة أوضاعه صحواً كان أم مطراً؟!
الأخرى مبتعثة للدراسات العليا في دولة بعيدة ولديها طفلان وزوجها يسافر كثيراً لا يبقى طوال الوقت بصحبتها وفي خضم هذه المشاغل لا أدري كيف تجد وقتاً لكل هذه «الثرثرة» مع المتابعين الذين تجاوزوا المليون متابع، وهي لا تترك شاردة ولا واردة عبر الفيديو، تصوّر طفلها وهي تساعده في تناول الطعام، تصوّر الخادمة التي تزورها أحياناً، تصور عامل النظافة وجارتها والرجل العجوز الذي يسير وحيداً في أحد الشوارع، ثم زوجها حين قدم إليها من السفر ولا بد أن تشارك هؤلاء المتابعين في الاستماع إلى كلمات الترحيب والغزل، ثم تلتقط صوراً لهديتها الخاصة من زوجها ولا أدري ما شأن الآخرين بهدية بين زوجين؟!
الأخرى ثرية مترفة كانت تعاني فراغاً هائلاً قبل «السناب شات»، وها هي تحمد الله بعده فقد وجدت ما يشغلها وعليه لا بد من إشغال الآخرين ممن يعانون من أوقات فراغ قاتلة.. فها هي تستعرض رحلاتها وحكاياتها مع كلابها الصغار المدللين حفظهم الله ولا أراهم مكروهاً!!