فوزية الجار الله
ثمة سؤال يطرح نفسه ما بين فترة وأخرى من هذا الزمن : هل للفن دور في الحياة؟ وهل الفنان مطالب بأن يقاتل ويناضل متأبياً صامداً بجانب الحق والحقيقة، النور والعدالة قولاً وفعلاً؟ أم أنه ليس مسؤولاً سوى عن فنه؟ هل الفنان مطالب بموقف ما ضمن منظومة الواقع، ليكون ضد الظلم والفساد والاستبداد؟ أم أننا نتجاوز ونتجنى عليه حين نطالبه بذلك؟ بمعنى لنتركه في مجاله يمارس الفن للفن ذاته سواء كان فناناً تشكيلياً أو شاعراً أو كاتباً أو حتى مغنياً يملك صوتاً جميلاً عذباً له أن يضعه أين شاء فهو مجرد فنان؟
لو لم يكن للفن رسالة، لو كان الفن يقدَّم للفن ذاته بمعنى ليس له أثرٌ على أحد لما نُفِي الشاعر الراحل العظيم محمود درويش من أرض فلسطين بسبب شعره المناهض للصهيونية والداعي إلى استعادة فلسطين الأرض المحتلة المغتصبة، لو لم يكن للفن أثر لما اغتيل غسان كنفاني الذي حارب الصهيونية كثيراً من خلال رسوماته الكاريكاتورية بشخصية حنظلة أو من خلال كتاباته الأخرى.
لعلنا نبالغ كثيراً حين نطلب من الفنان أن يكون مناضلاً قادراً على فعل المستحيل. لا ينبغي له أن يكون كذلك لكن في الوقت ذاته يمثل الصمت شرفاً عظيماً وحكمة حين يتعذر الفعل لسبب أو أسباب أخرى لا حصر لها.
إن لم تكن قادراً على ردع الظالم بفعل أو كلمة فاعتصم بالصمت ما استطعت حتى يأذن الله بأمر كان مفعولاً.
تغير الزمان كثيراً عن ذي قبل، كلما أوغلنا تقدماً فيه تساقطت أمامنا الكثير من الأقنعة وبدت لنا الكثير من الشخصيات الباهتة المهزوزة، لعلنا لا نتوقع شخصيات شجاعة مناضلة على مد البصر، لكن في الوقت ذاته يؤلمنا بل يفجعنا سقوط البعض أمام الظلم والاستبداد وانقيادهم كالعميان تجاه الهاوية بما هو ضد الإنسانية والقيم النبيلة. مثلما حدث لدريد لحام مؤخراً حين ظهر بتلك الصورة المخجلة مادحاً ممجداً لعلي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية «لا حول ولا قوة إلا بالله» وعلى عكس دريد لحام تماماً يذكر لنا التاريخ مثالاً جميلاً من أمثلة كثيرة ذلكم هو الشاعر عبدالرحيم محمود الذي أمضى معظم سني عمره الخمس والثلاثين ثائراً متمرداً على الانجليز في فلسطين، كان شعره مرآة عاكسة لحياته، وقد انضم إلى جيش المتطوعين في صيف عام 1948م وهو يعلم أنه جيش يفتقر إلى التنظيم وإلى السلاح ورغم ذلك لم يتردد في الانضمام إليه، (وأردي قتيلاً بالضبط كما كان قد روى سابقاً في إحدى قصائده) هذا الحديث ورد ضمن أحد مؤلفات الكاتب الفلسطيني «جبرا ابراهيم جبرا».
أخيراً أقول إن كنت متصدراً لركن من جوانب الفن ولم تكن قادراً على ردع الظالم بفعل أو كلمة فاعتصم بالصمت ما استطعت حتى يأذن الله بأمر كان مفعولاً.