د. عبدالرحمن محمد السلطان
ردة الفعل على قول مساعد محافظ التأمينات الاجتماعية: «إن التقاعد المبكر يُشكّل عبئاً مالياً على نظام التأمينات الاجتماعية، وإن المؤسسة تعيد النظر في هذا الأمر كونه خارجاً عن مبادئ التأمين الاجتماعي» يظهر أن هناك عدم إدراك لحقيقة أن التقاعد المبكر ليس خياراً متاحاً في أنظمة التقاعد في الدول المتقدمة، وأنه بصيغته الحالية يُشكّل فعلاً ضغطاً مالياً هائلاً على نظامي التقاعد بالمملكة بصورة تجعل استمراره أمراً مستحيلاً.
ووفق صيغة حساب المعاش التقاعدي الحالية في نظامي التقاعد في المملكة، فإن المعاش التقاعدي المستحق هو (عدد سنوات الخدمة\40) مضروب في الأجر الذي يحسب على أساسه المعاش التقاعدي. فشخص عمره 45 ويتقاعد مبكراً بعد 25 عاماً من الخدمة ويبلغ أجره الذي يحسب على أساسه معاشه التقاعدي 20.000 ريال، سيكون مستحقاً لمعاش تقاعدي قدره 12.250 ريال شهرياً. ولنفرض أن هذا الشخص عاش لسن الثمانين فإنه سيصرف له معاش تقاعدي لمدة 35 عاماً، من ثم سيكون ما يدفع له يبلغ ربما عشرات أضعاف ما دفع عنه من اشتراكات خلال خدمته. وهذا وضع لا يمكن مطلقاً لأي نظام تقاعدي تحمله، خصوصاً عندما يتزايد عدد المتقاعدين مبكراً، وهو ما أكدته التأمينات الاجتماعية في بيانها اللاحق عندما ذكرت أن نسبه معاشات المتقاعدين مبكراً تتجاوز حالياً 63% من إجمالي المعاشات الشهرية التي تصرف والبالغة حوالي 1.4 مليار ريال شهرياً.
من ثم إن أردنا أن نكون واقعيين وغير عاطفيين فإنه لا بد من حل يحقق المثل الذي يقول: «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم» من خلال صيغة بديلة خاصة فقط لحساب المعاش التقاعدي لمن يرغب التقاعد مبكراً دون عذر صحي يمنعه من مواصلة العمل ولم يحل على التقاعد المبكر بدون طلب منه كما هو الحال في القطاعات العسكرية. والصيغة التي أقترحها هي التالية:
{(عدد سنوات الخدمة - عدد السنوات المتبقية لبلوغ السن النظامي للتقاعد)\40} X الأجر الذي يحسب على أساسه المعاش التقاعدي. أي أن يتم حسم عدد السنوات المتبقية إلى بلوغ السن النظامية للتقاعد من عدد سنوات الخدمة التي يحسب على أساسها المعاش التقاعدي.
ووفق هذه الصيغة فإن المعاش التقاعدي لنفس الشخص في مثلنا السابق، وبما أنه في سن 45 ومتبقٍ عليه 15 سنة إلى أن يستحق التقاعد نظاماً فإن معاشه التقاعدي سيكون {(25-15)\40} X 20,000 = 5,000 ريال بدلاً من 12.250 ريالاً شهرياً. بالتالي فالموظف يمكن أن يتقاعد مبكراً دون أي سبب صحي يضطره لذلك ودون أن يجبر على ذلك نظاماً لكن سيكون هناك جزاء مالي مرتبط بعدد السنوات المتبقية له قبل بلوغه السن النظامية للتقاعد.
وتمتاز هذه الصيغة بأنها لا توقع عقوبة مالية على التقاعد المبكر فقط، وإنما أيضاً تزيد من الحافز على عدم التقاعد المبكر، فكل سنة عمل إضافية تضيف سنتين إلى صيغة حساب المعاش التقاعدي. فلو أن هذا الشخص في مثلنا السابق عمل لمدة 26 سنة بدلاً من 25 سنة فإن معامل حساب المعاش التقاعدي سيكون (12\40) بدلاً من (10\40)، أي أضفنا سنتين في بسط المعامل مقابل سنة عمل إضافية واحدة، وبالتالي سيكون معاشه التقاعدي 6.000 ريال شهرياً بدلاً من 5.000 ريال شهرياً، أي زيادة قدرها 20% في المعاش التقاعدي، وهذه إضافة كبيرة للمعاش التقاعدي مقابل العمل لسنة إضافية واحدة فقط، والتي يضاف إليها بالطبع أي زيادة في الأجر الذي يحسب على أساسه المعاش التقاعدي، ما يوجد حافزاً كبيراً على عدم التقاعد المبكر.
أيضاً فهذه الصيغة تجعل الجزاء المالي على التقاعد المبكر يقل كلما قرب الشخص إلى سن التقاعد النظامية، فلو أن هذا الشخص واصل العمل إلى سن الـ 56 مثلاً، وعلى افتراض ألا زيادة في أجره، فوفق الصيغة الحالية لحساب المعاش التقاعدي سيكون مستحقاً لمعاش يبلغ 18.000 ريال شهرياً، أما بموجب الصيغة المعدلة التي اقترحها فسيكون معاشه التقاعدي 16.000 ريال. من ثم كلما زادت عدد سنوات خدمة الموظف وأصبح أقرب للسن النظامية للتقاعد كلما قل الضرر المالي المترتب على تقاعده المبكر.
أعلم أن الكثيرين يختلفون معي تماماً في هذا الرأي وذلك بسبب قناعتهم أنه من الممكن جداً بقاء خيار التقاعد المبكر بوضعه الحالي في أنظمة التقاعد بالمملكة إلى الأبد، وهذا أبعد ما يكون عن الصحة ويفتقر إلى الواقعية، وما أقترحه هنا سينهي الحاجة إلى إلغاء التقاعد المبكر بالكلية أو على الأقل سيؤجله لعقود.