د. عبدالرحمن محمد السلطان
بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي تظهر أن عرض النقود بمقياسه الضيق M1 والمتمثل بإجمالي النقد المتداول خارج البنوك والودائع الجارية قد انخفض بين شهري مايو وديسمبر الماضيين بنسبة بلغت 8.9%، أي بمعدل انخفاض سنوي يصل إلى 17.8%، وهذا معدل انخفاض مرتفع جداً لن يكون من السهل على أسعار الأصول التأقلم معه دون نزيف حاد في أسعارها.
وعندما يحدث مثل هذا الانكماش الشديد في السيولة فإن أسعار الأصول ومن بينها العقارات والأراضي تصبح تحت ضغط شديد للتراجع. وكون أسعار العقارات والأراضي قد شهدت أسعارها خلال السنوات القليلة الماضية ارتفاعات حادة يجعلها مرشحة للتراجع الحاد خلال المرحلة المقبلة مع استمرار هذا الانكماش السريع في مستوى السيولة المحلية، حتى على افتراض تطبيق غير كامل لنظام رسوم الأراضي.
وخلال السنوات القلية الماضية كان هناك نوعان من الطلب على الأراضي والعقارات. النوع الأول: الطلب بهدف المضاربة والذي كان وقوده نمو السيولة المحلية بمعدلات عالية، خصوصاً بعد انهيار سوق الأسهم في عام 2006 وفقد هذه السوق لقدرتها على امتصاص السيولة الفائضة الحائرة في الاقتصاد فاتجهت إلى العقارات خصوصاً الأراضي، وهذا الطلب يتزايد من ارتفاع الأسعار وليس العكس، لما يترتب على ارتفاع الأسعار من استقطاب لسيولة مضاربية أكبر فيزيد الطلب ما يدفع لمزيد من الارتفاع في الأسعار. النوع الثاني: طلب حقيقي يرتبط بمستويات الدخل وتوقعات المستثمرين وبمستويات الأسعار وعندما ترتفع الأسعار ينخفض الطلب والعكس صحيح.
شح السيولة والتوقعات غير المتفائلة حول مستقبل السوق النفطية تعني بالضرورة انسحاباً شبه تام للطلب بهدف المضاربة في الأراضي، كما أن شح السيولة ينعكس أيضاً على قدرة الأفراد في توفير السيولة اللازمة لشراء الأراضي، وهو ما يعني انكماشاً في الطلب ينتج عنه ضغط كبير على أسعارها للتراجع.
وبما أن معظم الارتفاعات في أسعار العقارات كان مدفوعاً في الأساس بارتفاع قيمة الأراضي وليس نتيجة ارتفاع في قيمة المباني نفسها، فإن تراجع أسعار الأراضي سينعكس أيضاً على أسعار العقارات، وبالتالي من المؤكد أن نشهد خلال المرحلة المقبلة تراجعاً كبيراً ومستمراً في أسعار الوحدات السكنية أيضاً.
والسؤال الآن: هل يمكن أن يحدث العكس وترتفع أسعار الأراضي والعقارات؟
ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات يمكن أن يحدث في حالتين فقط:
1 - عدم الجدية في تطبيق رسوم الأراضي مع إجراء خفض كبير في قيمة الريال أمام الدولار، يتزايد معه الإنفاق الحكومي الاسمي، فينهي شح السيولة وتتزايد الضغوط التضخمية وترتفع قيم الأصول بما في ذلك الأراضي والعقارات، وهذا غير متوقع حالياً في ظل عدم وجود بوادر على أي نية لتغيير سعر صرف الريال في المستقبل المنظور.
2 - عدم الجدية في تطبيق رسوم الأراضي يرافقه ارتفاع كبير في أسعار النفط الخام يعاود معه الإنفاق الحكومي ارتفاعه وبالتالي عودة مستويات السيولة المحلية للتزايد.
ومن يتوقع حدوث أي من الأمرين أو كليهما فله أن يراهن على ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، أما دون ذلك فسيكون هناك ضغط مستمر على أسعارها لتواصل التراجع بل حتى النزيف المستمر.