د. عبدالواحد الحميد
محزن أن تجد مواهب وطاقات بشرية مهدرة لا يستفاد منها في فعل إيجابي، بل العكس: يكرسها أصحابها في أعمال سلبية هدامة!
يحدث أن يكون بعض اللصوص ومرتكبي الأعمال الإجرامية المتنوعة من أذكى البشر، ولو أنهم استخدموا ذكاءهم ومواهبهم بشكل إيجابي لخدمة أنفسهم ومجتمعهم لأضافوا الكثير من الخير والجمال إلى محيطهم وحجبوا الشر والقبح عن أنفسهم وعن غيرهم.
إن من يستطيع أن يسرق بنكاً أو متجراً أو يقتحم الحسابات المصرفية للآخرين بعبور «النت» لمواقع محمية جداً من المؤسسات المصرفية أو من يخترق مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع لشركات كبرى ووزارات دفاع وأشخاص مشاهير، كل هؤلاء هم أناس شديدو الذكاء لكنهم يسيرون في الاتجاه الخاطئ لأسباب نفسية واجتماعية تتعلق بالتاريخ الشخصي لكل واحد منهم وظرف تنشئته ومحيطه الاجتماعي.
ولو أن هؤلاء الخاطئين الذي يسخرون مواهبهم وذكاءهم في مجال الجريمة قد نشأوا في بيئة وظروف أفضل من تلك التي عبروها خلال السنوات الأولى من رحلة الحياة لربما تغيرت مصائرهم وربما لأصبحوا من الأشخاص البارزين النافعين لأنفسهم ومجتمعاتهم وللإنسانية!
وقد ألقت الأجهزة الأمنية في المدينة المنورة قبل أيام القبض على شاب ثلاثيني قام بسرقة أربعين صرافاً في عدة مدن سعودية باستخدام أساليب تتطلب قدراً كبيراً من المهارة والاحترافية بدليل ما تم العثور عليه في سيارة الشاب من أجهزة وأدوات كان يستخدمها لتنفيذ جرائمه. وقد ظل يمارس هذا العمل الخطير ويكرره لفترة من الزمن إلى أن تم القبض عليه من فريق أمني بالتعاون بين أجهزة الشرطة في عدة مدن كانت مسرحاً لجرائمه.
هذا الشخص الذي ضل طريقه وانحرف إلى عالم الجريمة كان بوسعه أن يكون عنصراً إيجابياً في مجتمعه وكان بإمكانه أن يستغل مواهبه في عمل شريف، فشخص يملك مثل هذه المهارات لن يعييه الحصول على وظيفةٍ ما أو ممارسة عمل حر، لكن بذرة الانحراف التي تكونت داخله لأسباب مختلفة قادته إلى تلك النهاية المحزنة.
سوف يكون هناك دائماً وفي كل المجتمعات وعلى امتداد الأزمنة أناس منحرفون يتمتعون بمهارات ومواهب عالية وقدرات ابتكارية مدهشة لكن ظروف الحياة وتياراتها المتلاطمة تقذف بهم في متاهات مهلكة وينتهون إلى عالم الجريمة البشع؛ غير أن التحدي الذي يواجه المجتمعات هو كيف يمكن إنقاذ مثل هؤلاء الناس قبل فوات الأوان، ليس من أجلهم فقط وإنما أيضاً من أجل مجتمعاتهم نفسها.
نعم، هو البيت والمدرسة والشارع وظروف الحياة وتصاريفها العجيبة تضع بصماتها وترسم المسار، ولكن في النهاية على كل إنسان أن يتحمل أوزاره وأقداره وأن يدفع ثمن خيباته أو يتلقى جائزة نجاحه.