د. عبدالواحد الحميد
بحلول مساء اليوم الأول من الرحلة التي قمت بها مع بعض الزملاء إلى تبوك كنا قد حططنا الرحال في «الحَرَّة» خارج مدينة تبوك في المكان الذي اختاره مضيفنا الأديب الدكتور مسعد العطوي لنقضي فيه ليلتنا الأولى محاطين بجبال الحرة السمراء الساحرة.
كانت ليلة شتائية جميلة تحلّقنا فيها حول النار، ودارت الأحاديث عن قضايا الأدب والشعر والسياسة والحرب وقضايا الوطن والعالم العربي وامتدت حتى منتصف الليل حيث أخلدنا للراحة استعداداً ليوم حافل.
نهضنا مع الفجر، واستمتعنا بجمال الطبيعة في صحراء الحرة وهي تتهيأ لمولد يوم جديد، وبعد تناول خبز «الجمرية» الطازج اللذيذ الذي صنعه مضيفونا الكرام على الجمر وقدموه مع العسل وزيت الزيتون وما لذ وطاب من أصناف الطعام انطلقنا بالسيارات إلى «الديسة» و«الشقري» و«جبل اللوز».
يصعب، في عجالة، وصف الجمال الأخّاذ الذي شاهدناه في تلك المناطق التي يمكن أن تكون واجهات سياحية تعزز الاقتصاد المحلي لمنطقة تبوك وتكون رافداً لقطاع السياحة الوطني بكامله من خلال ما تخلقه من وظائف وما تقدمه من قيمة مضافة للاقتصاد، فضلاً عما توفره للمواطن من فرص سياحية يستمتع بها ويتعرف على بلاده وبخاصة في ظل الظروف الحالية التي انحسرت فيها وجهات السياحة التقليدية في الدول العربية والأجنبية بسبب الأحداث التي تعصف بالعالم شرقاً وغرباً.
ففي «الديسة» الواقعة صوب الطريق الذي يربط مدينة تبوك بمدينة ضبا، شاهدنا الجبال الشاهقة بحوافها الصخرية الرائعة وانحدرنا عبر الوادي الضيق المتعرج بين الجبال. وعلى حواف الوادي كان ثمة حشائش برية ونباتات ونخيل الدوم التي تنمو على مياه الجدول المنحدر من الجبال. وقد علمت من مضيفينا أن هذا الجدول يجري على امتداد العام لأنه يأتي من عيون الماء التي في الجبال حيث تتسرب مياه الأمطار عبر شقوق الجبال وتأخذ طريقها إلى الوادي صانعةً ذلك الجمال الأخّاذ في قلب الصحراء!
وذهبنا إلى «الشقري»، الواقعة على بُعد حوالي سبعين كيلو متراً إلى الجنوب الغربي من تبوك باتجاه طريق تبوك ضباء حيث المزيد والمزيد من الجبال المنتصبة المتعامدة كما لو كانت مجسمات ومنحوتات جمالية! وهناك شاهدنا منطقة «الشق» وهي هُوَّة هائلة تنفتح في عمق الأرض وتمتد لمسافات طويلة من أثر العوامل الطبيعية عبر ملايين السنين حيث تكونت هذه التشكيلات الجيولوجية العجيبة!
ثم صعدنا إلى جبل اللوز الشاهق الذي كثيراً ما تغطيه الثلوج في مواسم سقوطها، وهو جبل يشرف على الحدود الدولية للمملكة حيث يمكن رؤية بعض البلدان المجاورة بالمنظار المقرب. لم نتمكن، للأسف، أن نذهب في هذه الرحلة إلى الواجهات البحرية في منطقة تبوك وذلك لضيق الوقت.
يصعب الإحاطة بتفاصيل الرحلة الجميلة لتبوك، في حلقتين من عمود صحفي، لكنني أود أن أشير إلى الحاجة الماسة لبذل المزيد من التطوير للمناطق السياحية التي شاهدناها فهي كنوز ذهبية بِكر غير مستغلة، ولا بد أن تتضافر جهود الحكومة مع القطاع الخاص لتطويرها سياحياً من خلال إقامة المنتجعات وتنظيم أنشطة سياحة الصحراء.
لقد زادتني هذه الرحلة اقتناعاً بأهمية وجدوى السياحة الداخلية لو توفرت التسهيلات والخدمات اللازمة. وأود، أخيراً، أن أشكر الدكتور مسعد العطوي والدكتور عبد الله العطوي والأستاذ الشاعر مسلم العطوي والصحفي عودة العطوي والشاعر محمد فرج العطوي وكل الناس الرائعين الذي قابلناهم هناك وقضينا معهم أوقاتاً جميلة وهم - بذلك - يمثّلون قيم الكرم والضيافة السخية والأخلاق الحميدة التي عُرِفت بها المنطقة.