د. عبدالواحد الحميد
بالرغم من أن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى قد تحدث في مقالته المنشورة في صحيفة الحياة بعنوان «تعليمنا إلى أين؟» عن مشكلات عويصة تواجه التعليم، فإن المقال يدعو إلى التفاؤل لأن الحل لأي مشكلة يبدأ من تشخيصها بدقة. فالمريض قد يلجأ إلى «الحيل النفسية»، ويتجاهل حقيقة مرضه حين يشعر أن ذلك التجاهل يريحه نفسيًّا، لكن ذلك لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدًا.
ووزير التعليم وضع يده على الجرح، وشخّص المشكلة بكل شفافية، وأعاد إلى أذهاننا ما كتبه سابقًا عن التعليم في كتابين متتابعين، أثارا انتباه الساحة الثقافية والتعليمية المحلية، أولهما عن التعليم العام، والثاني عن التعليم العالي.
وأظن أن كل ما ورد في المقال مهم، بدءًا من وفاء العيسى لمن سبقه إلى كرسي الوزارة من رجال حاولوا أن يفعلوا كل ما في وسعهم في ظل ظروف اجتماعية ومالية مختلفة، ألقت بظلالها على أداء وزراء المعارف والتعليم السابقين، وانتهاء بتوصيف الواقع الحالي للوزارة الذي يتعين على الوزير العيسى أن يتصدى له في هذا التوقيت الحرج الذي تغيرت فيه أشياء كثيرة، بما فيها الإمكانات المالية التي بدت حتى إلى وقت قريب كما لو أنها بلا حدود ثم انكمشت مع انكماش أسعار النفط الذي ما زال هو الوقود المحرك لميزانية الدولة.
لكن من أهم ما ورد في مقال العيسى - برأيي - هو ما ذكره عن بعض المعوقات التي تجهض الحلول حين قال: «فالأنانية التي قد تجعل البعض يقدم مصالحه الشخصية على مصلحة الوطن ستقف عائقًا أمام الحلول. وإقحام التعليم في خضم صراع التيارات وتصفية الخلافات الفكرية سيقف عثرة أمام الحلول».
لقد حدث هذا في الماضي، وأرجو ألا يحدث الآن. نحن نريد لأبنائنا تعليمًا متميزًا، يمنحهم المهارات التي تحقق التنمية للوطن، وتمكننا من منافسة الأمم الأخرى في هذا العالم الذي يشهد منافسة قاتلة في مجال الإنتاج والابتكار والتجارة والعلوم والتقنية.
هناك مقاييس عالمية معروفة تكشف جودة التعليم، وهناك مسابقات عالمية يشترك فيها الطلاب من جميع أنحاء الدنيا تكشف عمق أو ضحالة التحصيل الدراسي. أما عندنا فكل إنسان يعتبر نفسه خبيرًا في التعليم، ويبيح لنفسه التدخل في شؤونه! وكما قال الوزير العيسى: «نظامنا التعليمي لا يزال مكبلاً بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة، والمخاوف المكبوتة وغير المكبوتة، والتدخلات ممن يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية والحكمة، وممن لا يمتلكها، وممن يحشر أنفه في كل قضية ويفتي في كل شاردة وواردة، وممن يتخوف من كل جديد فيحاول أن يمحو كل فكر مبدع، ويسعى إلى تكبيل الميدان بشكوك وهواجس ومعارك صغيرة وتافهة هنا وهناك».
صدقت أيها الوزير، وقد جئت إلى الميدان وأنت صاحب الخبرة العملية والنظرية، فنحن نراهن عليك وعلى فكرك الوطني المستنير ونزاهتك وحسك الديني والأخلاقي.
نحن متفائلون رغم ضخامة المعوقات. دعاؤنا لك بالتوفيق والسداد.