د.خالد بن صالح المنيف
ثمة سؤال مهم، هو: لماذا نتغافل ونتعامى عن آليات أكثر تحضرًا، ونتجاوز سلوكيات أعظم رقيًّا، ونذهل عن تفاعل أجمل مآلاً وأقل جهدًا من (الزعل)؟
وما هي الأسباب التي غرست ملكة (الزعل) في نفس (الزعول)؟
أقول: إن البعض يولع بطبع (الزعل)، ويأنس به من بيئته، فكأنما تربى على أن (الزعل) هو الطريقة الصحيحة لعلاج المواقف!
وهناك من ضعفت حجته, وهزل منطقه؛ فيمارس (الزعل) كحيلة نفسية لتغطية سوأته الفكرية والنفسية بالزعل، ويا ليته ستر نفسه بما يُستر!
وهناك من (يزعل) لأمر قد توهمه رجمًا بالغيب، وتسليطًا للظن لا أكثر!
وآخر يمارس (الزعل) كمخرج من خطأ هو ارتكبه.. فيخطئ و(يزعل).. (حشف وسوء كيل)! فهو كمن هبط من الحصن للسجن!
وهناك من نضبت مشاعره، وجفت ثقته بنفسه؛ إذ يتسول المشاعر عن طريق (الزعل)، وذلك بالعمل على استجلاب الاعتذار منه وإرضائه من قِبل مَن حوله!
وهناك من يجعل من (الزعل) متنفسًا له من ضغوطات الحياة، أو من علة جسدية.. وهذا سلوك جائر، فيه ظلم شديد لأبرياء تمارَس عليهم إزاحة نفسية كريهة!
وثمة قاسم مشترك لمن ينتسب لنادي (الزعل)، هو أنهم لا يعبّرون عن سبب (الزعل)، ولا يفصحون عن الخطأ الذي دعاهم للهجر والقطيعة!
ومن سلوكيات (الزعول) الصمت الجاف, والجملة الوحيدة التي تنطق بها شفاههم: «ما فيني شيء»! فلا يذيع ما في صدره، ولا يصرح بما في نفسه!
وهذا (الزعول) لو اختلى بالآخرين لانطلق في سرد بكائياته وآلامه ومواجعه، ناظمًا معلقات الرثاء للنفس وملاحم لتأبينها! ولا يلبث الموقف الذي أزعجه إلا وقد انتشر انتشار الصبح، وتداولته خاصة الناس وعامتهم، فالكل يعرف إلا من (المزعول منه)! هاتكًا للسر فاريًا للعرض!
ما أجمل العبارة التي كُتبت في لوحة، عُلقت في واجهة استقبال أحد الفنادق، التي تقول: «إن أرضيناك فتحدث عنا, وإن لم نرضك فتحدث إلينا». لماذا لا تكون هذه العبارة قاعدة لنا جميعًا؛ حتى ينحسر منسوب (الزعل)، وتتقلص مساحات الغيبة والافتراء؟!
وهذه خطوات عملية لكل عضو في (نادي الزعل):
o عليك أن تعمل على تقوية عضلاتك الشعورية، وأن تراجع نفسك، وتعود إلى رشدك، وتتلمس جادة الصواب، وأن تكف عن هذا الطبع السقيم الذي يضعف شخصيتك، وينفر من حولك منك، ويفوت الفرص عليك!
o لا تحاسب كل إنسان حسابًا عسيرًا عن كل لفظ وكل تصرف، ولا تؤوّل كلامه بسوء ظن إلى معان تتعبك, وإلا ستجد نفسك وحيدًا!
فعندما يبدر من أحدهم تصرف ما فالتمس العذر، ونقب عن المبررات، أو فلتتغافل وتتسامح، خاصة إذا كان ذا رصيد عال من العطاءات معك. وإن لم تقدر على هذا فاستوضح واستجلِ وعبِّر عما ضايقك بأدب!
يقول عبدالوهاب مطاوع: إذا لم يكن أمامنا خيار مع الألم الذي يفرضه علينا الآخرون فإن الأفضل أن يكون ألمنا نبيلاً مترفعًا وليس ألمًا ذليلاً ضائعًا.
o عليك باستخدام أسلوب حرق الملفات مع من حولك، وكن حاسمًا في كبح جماح أي خصام أو اختلاف في وجهات النظر، فلا تنم إلا بقلب مخموم! ولا تخسر حياتك ونفسك ومَن حولك بهذا السلوك الصبياني!
o وأخيرًا تذكر أن الشخصية القوية الإيجابية الفعّالة هي من تبادر لتبديد الغيم وحل الإشكاليات وتهدئة النفوس، ولست - والله - أرى شخصية بضعف (الزعول)؛ لأنه باختصار ألغى كل وسيلة تواصل وتفاهم، وجنح لتلك الوسيلة السلبية التي تزيد الأمور تفاقمًا والأرواح وحشةً والقلوب بُعدًا!
ومضة قلم
صعب شيء يمكن تعلُّمه في الحياة هو أي الجسور يجب أن تعبرها، وأيها يجب أن تهدمها!