د.خالد بن صالح المنيف
مع ضغوطات الحياة وتسارع إيقاعها؛ تناقصت قدرة الناس على التحمل، وضعفت مهاراتهم في معالجة الانفعالات بطريقة حضارية، وبات الكثير ينحازون لخيار سيئ السمعة عند حدوث أي موقف لا يرضيهم أو عند أي خلاف (يسير) في وجهات النظر وهذا الخيار الذي أراه بدأ في الانتشار هو: (الزعل)!
و(الزعل) هو: حالة نفسية يحدثها موقف (ما), نتاجها صمت دائم بالرغم من تفاهة الموقف ولم يصل للمرحلة الحرجة التي وصفها أحد علماء النفس بقوله: إن أكثر اللحظات إثارة للانفعال في حياتنا هي اللحظات.
التي يبلغ من انفعالنا لها ألا نجد ما نقوله فيها من كلمات! فالموقف بسيط ولا يستحق!
و(الزعل) لا يكتمل دون تقطيب, وعبوس، ونفس ضيقة, وروح متكدرة، وربما كان معها طبع جاف وخلق سيئ, وكل هذا يتغذى ولاشك على أفكار سلبية بذرتها كرامةٌ متوهم جرحها وعزةٌ متوهمٌ النيل منها!
والزعل الدائم نزعة فاسدة وعادة مستهجنة، والبعض للأسف قد جعل من (الزعل) ردة فعل له ثابتة تجاه كل موقف يختلف فيه مع آخر, أو عندما لا يستجاب لرغباته، أو لا يقتنع برأيه, أو عندما يسمع كلمة يرى فيها جرح لمشاعره أو تهديد لكبريائه.
وأهم صفات (الزعول) أنه يحلل الأمور على (مزاجه) دون أن يعرض الفكرة على منطق أوعقل أو وقائع أو حقائق! فهو يميل لسوء الظن وإلى إصدار الأحكام القطعية السيئة على الآخرين!
و(الزعول) شخص يلوث الأجواء الاجتماعية بل ويُصدّر الهم والاكتئاب لمن حوله! ومع انتشار ثقافة (الزعل) تتوارى الأدوات المتحضرة للنقاش, وتنسف جسور التواصل وتهدم أسوار الود!
وكثرة (الزعل) دلالة على أمية عاطفية ومؤشر على ضعف شديد في الذكاء الانفعالي!
فالعقل العاطفي هو من يتولى سيادة المشهد، واختياراته على الأغلب مغلفة بحمق ومطلية بنزق!
والطامة الكبرى والداهية الصلعاء وقاصمة الظهر إذا كان من تخالطه على نحو مستمر شخص سريع (الزعل) بطيء الرضا!
و(الزعول) يشعل نيران (الزعل) بالتركيز على سقطات صاحبه وعيوبه ونقاط ضعفه وكيف أنه- وهو الكامل الطاهر النقي- أبتلي بهذا الشخص الشيطان المريد! شحن مستمر بالكره وإفعام لا يتوقف بالغيظ!
و(الزعول) شخص يعالج المواقف بسطحية ويتعامل مع المشاهد بسذاجة عجيبة!
و(الزعول) عادة لا يبدي رأيا ولا يشارك في مناسبة ولا يتفاعل مع فرح ولا يتوجع لهم... ظلمات بعضها فوق بعض!
والزعول يظهر نفسه كمن قاسى من البلوى، وعانى من الشكوى, وافترسته الأحداث, ولاقى من صنوف الألم, وطحنته دوائر الأيام، ونابته عاديات الزمن! فيتوهم أن طرفه حقيق بالسهر وبدنه حقيق بالنحول! ولسان حاله عن قلبه يقول: يالله لقلب قد لاقى فوق ما تلاقي القلوب واحتمل فوق ماتحتمل من فوادح الخطوب!!
فيزرع في قلبه حزنا جاوز حزن جليلة أخت جساس على أخيها وزوجها وحرقة جاوزت حرقة الخنساء على إخوتها!
والمشكلة أنه يصدق كل هذا ويتقمص الدور.. راكبا هواه ثابتا على جهالته مسترسلا في غيه!
وكم يخدع (الزعول) نفسه عندما يظن بفضل (الزعل) على التسامح أو على المواجهة اللطيفة المتحضرة! وأنه يرى نفسه عندما ينحاز (للزعل) فإنه ينحاز عن بصيرة وعقل! وليته يدرك كم هو شقي بعادة (الزعل)!
و(الزعول) يرى أنه هبة الله للبشرية ومنحة العزيز للكون ولكنه سيئ الحظ فرغم تلك المواصفات يعتقد أنه مظلوما مفترى عليه مجحودا فضله ومنكرا عطائه!
أي سرور لمن يعيش حياة استوطنت ثقافة (الزعل) روحه وفكره!
أي سرور لمن يتعامل معه من حوله كطفل غر أخرق؟!
فعادة (الزعل) حماقة كبرى، (فالزعول) يضاعف تعاسته وشقاءه، ويصلي روحه المسكينة ألما ووجعا!
سلوك قاصر, يقصر الحياة ويكدر صفوها؛ (فالزعل) أصبح لدى البعض أسلوب حياة؛ فهو يوم راض وثلاثة أيام (زعلان) ولا حول ولا قوة إلا بالله فضيعوا أعمارهم بتصرف أحمق زادهم هما وضيقا!
لابد أن نعي جميعا أن (الزعل) شجرة يحجب ظلها الابتسامة العذبة والاستمتاع بالحياة وطيب التواصل مع الآخرين بل وتفقدنا احترامهم! بل وعندما يحضر الزعل بشكل دائم يشوه كل جمال في الحياة!
ومضة قلم
إن لم تتمكن من إضافة صديق في يومك فلا تكثر أعداءك!