سلمان بن محمد العُمري
معالي الشيخ الدكتور عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء ممّن حباهم الله بالعلم الوافر، والقبول لدى الناس لدماثة أخلاقه ورحابة صدره، وشهادتي في الشيخ عبدالله مجروحة فمعرفتي به تزيد على الثلاثين عاماً وفي كل لقاءٍ معه تزداد محبّتي له ويخجلك بطيبته وتواضعه، وازداد يقيناً أنّنا بحاجة إلى أمثال هؤلاء المشايخ الكبار.
د. عبدالله المطلق في إذاعة نداء الإسلام شنّ هجوماً على بعض مفسّري الأحلام، ممّن يعملون أعمال السحرة، ويتعاونون مع الجن، ويفرقون بين الناس والأقارب، وذلك من خلال تفاسير لا صحّة لها، واعتمادهم على الكذب ليوقعوا الناس في الأوهام.
وأن أغلب الرؤى تحزين من الشيطان، وأكثر من 80 في المائة من الأحلام التي تعرض ويطلب أصحابها تفاسيرها في البرامج المخصصة في القنوات الفضائية أحلام سيّئة من الشيطان للتخويف، وأنها رؤيا السوء منع من تفسيرها الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وأمام ازدياد المشكلات الاجتماعية والنفسية في المجتمع تهافت الناس على المعبّرين ومفسّري الأحلام الذين تكاثروا وبشكل لافت للنظر من الرجال والنساء حتى أصبحوا كعلب البيبسي كما يشبّههم أشهر المعبرين الأستاذ الدكتور محمد الرومي.
لقد اتفق أهل العلم على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى وأن التصديق بها حق، ولا ينبغي أن تعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل كما أن فيها من بديع صنع الله وجميل لطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه، ولم ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد من قدامى ومحدثين، وقد ورد في القرآن الكريم عن الرؤى والأحلام ما يقطع كل جدل، فقد جاء الحديث عن الرؤيا في أربع سور: (يوسف، والإسراء، والصافات، والفتح).
وقد ورد في السنة النبوية ما يزيد على ثلاثين حديثاً بشأن الرؤى الصالحة، وعلى مر العصور اشتهر عدد من السلف بتأويل الرؤى وتفسيرها وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مشهوراً بتأويل الرؤى وإذا ذكرت الرؤى ذكر الناس ابن سيرين، وفي سجل الحضارات بيان لأهمية الأحلام في حياة الإنسان، وخاصة أحلام ملوكهم من حيث إنها منذرة أو مبشرة بأحداث قادمة، ما ألجأ الملوك إلى البحث عن مفسرين لأحلامهم عرفوا باسم: (رجال المعرفة في مكتبة السحر) وهناك فرق بين الرؤى والأحلام كما أن الرؤى منها ما هو صالح ومنها ما هو خلاف ذلك.
ولا يزال بعض الأشخاص موفقين من رب العالمين في تفسير الرؤى، ولكن موضوع تفسير الرؤى أصبح سوقاً رائجة لبعض الانتهازيين ومرضى الشهرة والطماعين بل والمشعوذين، وعزز حضورهم القنوات الفضائية والإنترنت وبعض الصحف والإذاعات التجارية، ولم يقتصر الأمر على الرجال وحدهم بل شمل النساء أيضاً، وهناك من جعل له موقعاً على الإنترنت ولا يمكن الإجابة عن سؤال أو تعبير رؤيا ما لم يشترك المتصل بمبلغ عن طريق رقم الفيزا، وهدفهم تجاري بحت. وآخر تستضيفه قناة إذاعية ولا يقبلون الاتصال إلا عبر هاتف خاص وأسعار الاتصال مضاعفة جداً واستقبال الرسائل عبر هواتف مماثلة أيضاً.
وهناك من مدعي التفسير من تخصص في تفسير رؤى النساء فقط وجعل علامات استفهام مشبوهة حوله وهو من عرف بقلة علمه، وهناك من قرأ في كتاب ابن سيرين وصار بين عشية وضحاها من مفسري الأحلام، وتفسير الأحلام أصبح يقوم به كل من هب ودب وكل من لا صنعة له فهو باب واسع للشهرة ومصدر للرزق عند البعض، وقد يتورط بعض الجهلة في تفسير للرؤى فيقع في المحظور وكما أن الرؤيا من الله سبحانه وتعالى والأحلام من تلاعب الشيطان.
وقد أدى تفسير الرؤى إلى أمور خطيرة من بعض مدعي العلم والمتطفلين عليه، وقد سمعت عن حالات طلاق وانفصال بين الأزواج نتيجة لتفسيرات خاطئة من (جهال) وتقبلها بعض السذج من النساء ومن الرجال وكأنها وحي منزل، فهناك من قالوا لها إن هناك من أهل الزوج من وضع لك سحراً، وهناك من قالوا له إن هناك خيانة زوجية في بيتك، وهناك من شكّكوا في سلوكيات أولاده وبناته، وهناك من أوهموه بالفشل في الدراسة والعمل وأحبط وصدق الخبر وحالات يشيب لها الرأس، وهناك من أوهموه بالمساهمة في شركة معينة فخسر ما وراءه، وبعضهم أصبح يتصل بمعبري الرؤى قبل الدخول في أي شراكة تجارية أو الدخول في شراء الأسهم. أما البحث عن نتائج المباريات ومن هو بطل الدوري فحدّث ولا حرج!!
أؤكد أنه قد كثر المعبرون للرؤى وقد تحدث عنهم قبل مئات السنين، عبدالغني بن إسماعيل، الملقب بابن النابلسي في كتابه: (طبقات المعبرين) الذي تضمن الإشارة إلى أكثر من سبعة آلاف مفسر للأحلام، بعد ابن سيرين، ولو عاش في زماننا هذا لرأى أن في كل بيت مفسراً للأحلام وفي كل مجلس وفي كل مكتب، ومع كل هذا لا نقلل من شأن الرؤى مهما كثر الدجالون، ولا نبخس بعض المؤولين حقهم ومكانتهم وأمانتهم لكنهم قلة في خضم هذا البحر المتلاطم من الدجالين والمتطفلين، وقد ورد في السنة الكثير من الأحاديث عن الرؤيا ونكتفي منها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس...) رواه مسلم.