سلمان بن محمد العُمري
شيخي وأستاذي معالي الوالد الشيخ أ.د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي غني عن التعريف، فهو علم من أعلام البلاد، فتاريخه حافل بالمنجزات في خدمة دينه ومليكه وبلاده من خلال عمله البارز في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وإدارته لها لما يقرب من العشرين عاماً وخروجه منها وهي صرح شامخ، وكان له جهود بارزة في مرحلة التأسيس حتى بلغت ذروتها.
ثم مرحلته الثانية كأول وزير للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وما تركه من منجزات وأعمال خالدة على الرغم من قصر المدة التي قضاها في الوزارة (6 سنوات)، ومحطته الحالية وليست الأخيرة كأمين عام لرابطة العالم الإسلامي، وعطاؤه العلمي والعملي الممتد لأكثر من خمسة وخمسين عاماً، وكنت ممن شرف بالعمل معه وتحت إشرافه المباشر لما يقرب العقدين في جامعة الإمام وفي وزارة الشؤون الإسلامية ورافقته في رحلاته وصولاته وجولاته لأكثر من مئة بلد في داخل المملكة وخارجها، وكان نعم الرجل علماً ورجاحة عقل، وعملاً جاداً، واستثماراً للوقت، وتقديراً للرجال، وإخلاصاً لدينه ووطنه في كل المحافل. ولازلت أنهل من معينه. وقد كتب معاليه أخيراً كتابه الجديد الذي انتظره الكثير (لمحات من الذاكرة)، وقال في غلاف الكتاب إنه خاص (لأسرته وأصدقائه)، وإني أستميح شيخنا وأستاذنا عذراً بأن أقدّم هذه القراءة العابرة للكتاب لاعتبارات عدة، لعل منها أن من حق الأصدقاء جميعاً وهم كثر ولله الحمد أن يعلموا عن خروج الكتاب والبحث عنه وقراءته، وأرى أيضاً أن من حق الجميع من أبناء البلاد بوجه خاص والعالم الإسلامي بوجه عام الاطلاع عليه والاستفادة مما فيه من معلومات مهمة عن تاريخ وأحداث ومواقف تستحق التوثيق والتسجيل والقراءة والاستفادة منها في قابل الأيام لما فيها من دروس وعبر وحكم.
علاقة وطيدة
يقول الدكتور عبدالله التركي عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - إنه لا يعرفه حق المعرفة إلا من تعامل معه وعن قرب، سرعة في الإنجاز وشهامة في المواقف وصرامة في القول وثقافة تاريخية نادرة وبخاصة عن تاريخ المملكة، لا يجدها الإنسان عند غيره، وقد بدأت الصلة به منذ عام 1375هـ حينما راجعه في الإمارة لاستصدار جواز له ولوالدته لسفرهما للعلاج في الكويت وعبر ما يزيد عن الستين عاماً توطدت هذه العلاقة حينما عيّن د. التركي عميداً لكلية اللغة العربية ثم وكيلاً لجامعة الإمام ثم مديراً لها فوزيراً للشؤون الإسلامية، وشارك معه ورافقه في عدد من المناسبات ومنها افتتاح المركز الإسلامي في روما، وافتتاح المركز الإسلامي في جبل طارق.
وذكر معاليه بعد النظر عند خادم الحرمين الشريفين وحكمته في اختيار موقع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وركوبه وإياه في سيارة جيب وهي براري، وكيف كان مدير الجامعة وبعض منسوبيها في ألم وضيق من هذا الموقع البديل وكيف أصبح من الواجهات الرئيسة للقادم إلى مدينة الرياض من مطار الملك خالد الدولي وعلى ملتقى طرق رئيسة في المدينة ومتميز مساحة وموقعاً، وهو ما لم يكن سوى في حسبان الملك سلمان، ومن الذكريات الجميلة أيضاً أبرز المؤتمرات التي عقدتها الجامعة وكان لخادم الحرمين الشريفين بصمة وأثر ودعم كبير من لدنه في نجاح هذه الملتقيات والمؤتمرات ومنها: أسبوع الفقه الإسلامي، وأسبوع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والمؤتمر الخاص بتاريخ الملك عبدالعزيز - رحمه الله - والترتيبات لبرامج مناسبة مرور مئة عام على دخول الملك عبدالعزيز للرياض عام 1319هـ، ومواقفه الكريمة على تخصيص جائزة باسمه لحفظ القرآن الكريم لأفضل الحفاظ لكتاب الله الكريم في مسابقة للبنين والبنات ولا تزال قائمة حتى الآن منذ ما يقرب عن عشرين عاماً.
وعن إنسانية الملك سلمان ووفائه أكد بأنه مدرسة وذكر نماذج من مواقف كثيرة لا يمكن حصرها ومنها أنه حينما كان والد د. عبدالله التركي - رحمه الله - يرقد في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض تفاجأ بزيارته له رغم مشاغله المتعددة في إمارة الرياض وشؤون الحكم وارتباطاته العملية الأخرى، وسأل عن حاله وما يحتاج إليه، وموقف آخر عقب حفل تخريج دفعة من طلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت رعايته وحضوره خرج د. عبدالله من الحفل مباشرة إلى المستشفى وبات فيه تلك الليلة ولم يكن يعلم أحد أن لديه موعداً في المستشفى العسكري، وفي الصباح الباكر أجريت له العملية ولم يفق من البنج إلا بعد الظهر وفوجئ من الطاقم الطبي يقولون له: (إن سمو الأمير سلمان) زارك قبل الظهر واطمأن عليك.
وموقف آخر حينما أصيب فضيلة الشيخ عبدالله بن غديان - رحمه الله - بحادث سيارة وكانت شديدة أفقدته الوعي فاتصل به أحد أبنائه فاتصل هاتفياً بـ (سمو الأمير سلمان) في منزله بالمساء فقال أذهبوا به حالاً للمستشفى التخصصي واستقبل استقبالاً جيداً وذكروا أن (الأمير سلمان) اتصل بهم وذهبت للمستشفى فوجدت (الأمير سلمان) شخصياً يدخل علينا فلم يكتف بالتوجيه فقط بل أشرف بنفسه على وضعه الصحي والاطمئنان عليه - حفظه الله وأيده الله بنصره - فهو مدرسة في حياته التاريخية في جوانبها الاجتماعية والإنسانية والإدارية والسياسية، استفاد منها كل من له صلة به أو تعامل معه، ولا ينسى اتصاله الهاتفي معزياً بوفاة والدته ومواساته لهم، والمواطن السعودي يحمد الله سبحانه وتعالى ويعتز كثيراً حينما يرى تواصل قادة المملكة العربية السعودية مع شعبها وتلاحم الشعب مع قيادته وبخاصة في المناسبات الإنسانية التي تقتضي ذلك، وأن النجاح الذي أحرزته المملكة مرتبط ارتباطاً سببياً بعد توفيق الله بسير الرجال وما تحقق على أيديهم من إنجازات مما هو جلي اليوم وما تميزت شخصيته من الشيم النبيلة والأخلاق الجميلة التي أبرزت الجانب الإنساني بوضوح في مواقفه وتعامله مع شعبه مما جعل له مكانة وحباً عميقين في قلوب أبناء المملكة وولاء واعتزازاً به وتلاحماً لشعبه تحت قيادته في خدمة الدين والوطن.
المحبون والزملاء:
حديث الإنسان عن أصدقائه وزملائه، ومن له علاقة ود ومحبة معه حديث واسع وذو شجون وهو عاطفي ويختلف باختلاف الظروف والمناسبات، والتجربة تؤكد أن قلة من الناس في الوقت الحاضر من يثبت على علاقة الود والمحبة مع من تربطه بهم علاقات متينة في فترة من الفترات، والوفاء والثبات عليه نادر، وأن المصالح المادية أثرت على القيم الاجتماعية السليمة، وقد شهد المجتمع تغيرات اجتماعية غريبة وسريعة يدركها من يقارن بين ما هو عليه الآن وما كان عليه قبل عقود، ومقابلة المعروف بالمعروف والإحسان بالإحسان، ودفع السيئة بالحسنة والمعاملة بالحسنى لمن أساء للشخص أمور جلية في الإسلام في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وفيما سار عليه سلفنا الصالح.
وقد أشار المؤلف في ذكرياته إلى لمحات مختصرة إلى أصدقاء وزملاء اعتبرهم من النادرين في هذا العصر، محافظة على القيم وتعاملاً بموجبها، ولقد بين معاليه أنه على الرغم مما حدث في مجتمع المملكة من تغيرات فإن الخير لا يزال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزال تميز المجتمع السعودي عن غيره من المجتمعات في الترابط الأسري والتكافل الاجتماعي وقوة الرابطة الدينية بين أبنائه وما بينهم من إخوة في الله، وقد تعرض لبعض ذكريات الأصدقاء والزملاء من سعوديين وغير سعوديين وبخاصة في فترة عمله في الجامعة وفي الوزارة وفي الرابطة، وقبل هذا تطرق لعلاقته الجميلة والذكريات الطيبة مع ولاة الأمر الملك فيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله - رحمهم الله - ومع الملك سلمان - حفظه الله - وأصحاب السمو الملكي الأمراء، ولم يتم الإشارة إلى العلاقة مع والده وإخوانه وأخواته وأسرته معتبراً أنهم منه وهو منهم وسأل المولى لمن مضى المغفرة والرحمة ولمن لا يزال على قيد الحياة العون والسداد، ومتحدثاً عن العديد من الشخصيات بصفحات مستقلة أو ذكريات عابرة معترفاً بحيرته وعجزه فيمن يختار للحديث عنهم.
خمسون عاماً حول العالم
بدأت رحلات الشيخ الجليل د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي في أنحاء العالم في فترة مبكرة مرافقاً لوالدته للعلاج في الكويت ثم مع أخيه أيضاً للعلاج في تركيا - رحمها الله - ثم زيارة عائلية إلى الكويت والزبير بعد تخرجه مباشرة وكان هذا قبل ستين عاماً، أما الرحلات العملية في المؤتمرات والمهمات الرسمية فمنذ خمسين عاماً تقريباً ويحمل عن هذه الزيارات التي تعدت أكثر من مئة بلد في العالم ذكريات كثيرة وتصورات لعمل السفارات والممثليات للمملكة في الخارج وما تقوم به من جهود عظيمة في خدمة المملكة وأهدافها ومواطنيها ومتطلباتهم، وخدمة الإسلام والمسلمين حيث النظرة العالمية للمملكة بأنها الدولة الإسلامية التي تخدم الإسلام والمسلمين ومقدساتهم، ومشيراً إلى علاقاته ببعض السفراء والتعاون معهم في صلاح ديننا وبلادنا وعن الشخصيات المميزة من سفراء المملكة. وهذه الرحلات والذكريات لم تكن في موسم الصيف كما كانت في بداية الأمر حينما كان في الكليات والمعاهد العلمية ثم الجامعات بل كانت طوال الموسم وفي بعض الأحايين ربما زار خمس أو ست دول في أسبوع واحد كما حصل حينما حصل الاجتياح العراقي للكويت، وقبل هذا في أعقاب الثورة الخمينية، فكان يشارك في مؤتمرات وندوات ومناسبات ويشرف على عقدها وتنظيمها ويسهم بشكل كبير وخاصة إذا كان موضوع المؤتمر أو المناسبة يتصل بالأمور الدينية أو بالمملكة وعلاقاتها مع الدول والمجتمعات. وقد استطاع د. عبدالله التركي وبتوجيهات ولاة الأمر أن يمحو الصورة الذهنية المغلوطة عن المملكة وأنها مغلقة على نفسها وخاصة في المجالات الدينية والاجتماعية وأنها لا تغتنم الفرص وتشارك في المناسبات وتغيرت هذه الصورة بفضل الله سبحانه ثم بفضل التوجيهات السامية وجهود الجامعات والمؤسسات والوزارات المعينة في المشاركات الخارجية.
وقد بيّن في كتابه بعض ما عانوه في مناسبات كانت تعقد أثناء الأزمات وخاصة كما أشرت مسبقاً عقب الثورة الخمينية وغزو العراق للكويت وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما كان يثار فيها من إشكالات عن المملكة، وكان معاليه يؤكد في كل هذه المناسبات على منهج المملكة العربية السعودية وحرصها على وحدة الصف الإسلامي والابتعاد عن كل ما يثير الفتن والخلافات ولا يعطي الذريعة لأعداء المسلمين للتدخل في شؤونهم ووصف الإسلام بالتطرف والإرهاب.
كما التقى خلال هذا المشوار الطويل العديد من الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء ورؤساء البرلمان والشخصيات الدينية والثقافية والاجتماعية والتربوية ممن لهم وزنهم في المجتمع، ورؤساء الجمعيات الدينية وفي قضايا تتعلق بأحداث وأمور قد تكون خاصة في الدول المزورة أو عامة ولها علاقة بالمملكة العربية السعودية ومكانتها، ولا ننسى جهود معاليه - وفقه الله - في عقد مؤتمر الحوار في إسبانيا، ومؤتمر الحوار الإسلامي بمكة المكرمة.
ولم ينس الحديث أيضاً عن العلاقة والصلة بالعلماء من خارج المملكة وهي علاقة لها نمط آخر تنصب على التعاون في الشأن الإسلامي العام وفي العلم الشرعي والدراسات الإسلامية والجامعات الإسلامية، وشخصية بمثل د. التركي بكل تأكيد فإنه يصعب حصر الشخصيات التي التقاها في مناسبات زياراته لدولهم.
الوفاء للمشايخ والعلماء
يحمد المؤلف الله عز وجل أن أنعم عليه ووفقه للالتحاق بالدراسات الشرعية وهي مجال واسع يتيح للإنسان التعرف على كثير من أهل العلم ومما تهيأ له في علاقات الطلب والتواصل في المعاهد العلمية، وكلية الشريعة في الرياض، والمعهد العالي للقضاء، وجامعة الأزهر، والعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ووزارة الشؤون الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي ومجالسها وهيئاتها وكلها مجالات رحبة للتعرف على أهل العلم والاجتماع بهم سواءً كان ذلك في المملكة أم خارجها، وتهيأ له الاتصال بالمشايخ والعلماء منذ 1375هـ وتعرف عليهم والتقى معهم في لقاءات متعددة ومتنوعة منها ما كان تتلمذ عليهم ومنها ما كان في محاضرات وندوات ومؤتمرات، ومنها ما كان عبر مجاميع علمية، ومنها ما كان في زيارات إلى مختلف دول العالم، وبكل تأكيد الحديث عنهم أو معظمهم طويل لأنهم أعداد كثيرة، وقد تحدث عن شخصيات معينة وبخاصة من داخل المملكة ممن كانت له بهم علاقة قوية أو يحضر دروسهم وتتلمذ عليهم أو حصل لهم منهم مواقف تستحق الذكر والأخبار. وشمل الحديث أيضاً بحديث والذكريات عن علماء من خارج المملكة لأن العلم رحم بين أهله، ومن أبرز من تحدث عنهم من علماء المملكة المشايخ محمد بن إبراهيم، وعبدالعزيز ابن باز، ومحمد بن عثيمين، وعبدالرزاق عفيفي، ومحمد الأمين الشنقيطي، وعبدالله بن حميد، وآخرون - رحمهم الله - ووفق الأحياء ولكل عالم وشيخ من هؤلاء وغيرهم ذكريات جميلة وطيبة ومواقف حازمة وقد تكون عصيبة وقد يكون فيها اختلاف في الرأي، ولكن الود والمحبة لا يفسدهما الخلاف، والتقدير محفوظ للجميع بلا استثناء، وإذا كان د. التركي يفخر بمشايخه الذين تعلم منهم وزاملهم فإنه يفخر بأبنائه وأبناء الجامعة وأبناء المجتمع السعودي الذين كانوا بالأمس طلاباً وثابروا وجدوا واجتهدوا حتى أصبحوا إعلاماً يشار إليهم بالبنان ويرجع إليهم في الإفتاء ويرجع إليهم في المسائل والنوازل.
وأكد المؤلف أن ما أشار إليه في هذه اللمحات من ذكريات وعلاقات بقادة المملكة وأمرائها وعلمائها تظهر تميزاً وصفات - بحمد الله وفضله - لا تجدها في أي مكان في العالم، التواضع من الملوك والأمراء، والحرص على مصالح الشعب، والتلاحم مع مختلف فئاته والاستماع إلى الآراء والاستفادة من الخبرات وأصحاب التجارب، والسير على نهج (الباب المفتوح) مما يتيح لأي مواطن مقابلة المسؤول مهما كانت مسؤولياته. ولا شك أن لذلك آثاره الإيجابية على مجتمع المملكة العربية السعودية وتلاحمه.
السلفية
منذ أول سفرة له خارج المملكة في عام 1383هـ (1963م)، وما تلاها من زيارات لبعض الدول العربية والإسلامية، ثم الجولة على دول إفريقية كثيرة في عام (1388هـ - 1968م) وما بعدها من زيارات ولقاءات بشخصيات من البلاد الإسلامية، ومن الأقليات والجاليات المسلمة، وزيارة المراكز والجمعيات والمدارس والجامعات.. منذ ذلك الوقت وإلى الآن وفي كثير من المناسبات واللقاءات وجد المؤلف جهلاً عند كثير من المسلمين وغيرهم بالمقصود بالسلفية والسلفيين، وكلاماً غير صحيح عنها، وضعفاً في معرفة من كان عليه سلف الأمة الصالح، وأئمتها وعلمائها، وما تسير عليه المملكة العربية السعودية، قادة وعلماء ومثقفين وشعباً، فهماً للإسلام الصحيح، ونشراً له، وعملاً به في مختلف مجالات الحياة، وخدمة للإسلام والمسلمين والحرمين الشريفين.
وإن ما بذله أئمة آل سعود بدءاً من الإمام محمد بن سعود، وعلماء المملكة بدءاً من الإمام محمد بن عبدالوهاب، ومن جاء بعدهم، إلى العهد المبارك، عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ونصر به دينه ووفقه وأعوانه وعلماء المملكة ومثقفيها وشعبها إلى المزيد من الخير والنماء والإصلاح.
إن ما بذلوه من جهود عظيمة لا تخرج عما كان عليه سلف الأمة الصالح منذ القرون الأولى، ومن جاء بعدهم، وأن المرد في ذلك كله إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما فهمه أئمة المسلمين في مختلف عصورهم، وفق الأسس والقواعد التي اتفقوا عليها.
وأن الأئمة الأربعة، مالكاً وأبا حنيفة والشافعي وابن حنبل، وغيرهم من العلماء المسلمين، يسيرون على المنهج الحق الذي سلكه أسلافهم، وأن الإمام محمد بن عبدالوهاب، ومن سبقه من دعاة السلفية، كابن تيمية وابن القيم وغيرهما، أو جاء بعده - رحم الله الجميع وأجزل مثوبتهم - لم يحدثوا في الدين شيئاً ليس فيه، ولم يسبقوا إليه.
وأن جهودهم تنصب على أصلاح الأخطاء في الدين، ودعوة الناس إلى أخذ الدين من مصدريه الكتاب والسنة، وفق فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان له ولمقاصده وغايته، في الاعتقاد والعبادات والمعاملات بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم.
هذه الصورة ليست واضحة لدى الكثير من المسلمين، وغيرهم بل تشوه حقيقتها وتلصق بها وبمن يسير عليها التهم، وتوجه إليها الدعايات المغرضة، بأنها تدعو إلى التطرف والإرهاب، وتخالف المذاهب الإسلامية الصحيحة.
ومن خلال التجارب والمتابعة تأكد دعم أعداء الإسلام لذلك، وتشجيعه من قبل الفرق الضالة التي تنتسب إلى الإسلام، وتسيء إليه وإلى أتباعه الذين يسيرون على الطريق الصحيح. ووصل الأمر إلى الدعوة إلى إسلام بديل عن الإسلام الذي تنتهجه المملكة العربية السعودية، ومن يسير وفقه من المسلمين أينما كانوا، وإلى تشجيع الطائفية ومن يدعمها في الأمة الإسلامية.
ويذكر د. عبدالله التركي إبان توليه عمادة كلية اللغة العربية بالرياض أن الكلية قدمت مقترحاً بافتتاح كلية للغات الشعوب الإسلامية، أو قسم على الأقل يركز على التأهيل في أكثرها انتشاراً، ولم يؤخذ به في ذلك الوقت!!
وفور تأسيس وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد طلب من خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - تفريغ أي داعية سعودي يكلف بالعمل في الدول غير العربية، لتعلم لغتها وإجادتها، حتى يتمكن من الحوار مع أبنائها مباشرةً، ويتعرف على تاريخها، ومما يؤثر على الناس فيها، ووجَّه - رحمه الله - بذلك، ومع الأسف لم يتجه إلى ذلك من السعوديين إلا قلة، مما يتطلب جهوداً أكثر، وحوافز أقوى وقناعات أصيلة بالرسالة التي يقوم بها الداعية، كما هو الحال - مع الأسف - في العديد من الفرق والطوائف التي لا تسير وفق منهج أهل السنة والجماعة، من توفر القدرات المؤهلة، وإجادة العديد من اللغات، والتفاني في خدمة طائفته وفرقته وإن كانت ضالة.
الحياة مدرسة:
يرى المؤلف أن الحياة مدرسة، وما يمر بالإنسان من أحداث، وما يتعامل به مع الآخرين، سواء أكانوا أقارب أم أصدقاء وزملاء، أم غيرهم، ينبغي تقويمه باستمرار، والاستفادة من الإيجابيات وترسيخها، والحرص على الابتعاد عن السلبيات وعدم تكرارها.
وقد أشار أشارات عجلى إلى نقاط معروفة للجميع ومنها:
1 - من الخير للمسلم أن يكون وسطاً في نظرته للأحداث، وفي تعامله مع الآخرين، وفي حكمه على ما يصدر منهم، وسطاً بين الإفراط في التشاؤم والإفراط في التفاؤل.
2 - الإنسان بطبعه حريص على نفسه، وما يعود عليه بالخير، والمبالغة في ذلك تضعف مكانة الإنسان في أسرته ومجتمعه وأمته.
3- في تعامل الإنسان في حياته، سواء أكان في أسرته، أو مجتمعه، أو مجال عمله، تظهر لديه مشكلات.
والمتعامل في ذلك بين أمرين: الواقع وظروفه، ويهمل المستقبل وما قد يحدث فيه، أو يركز على المستقبل ويهمل الواقع وما فيه.
4 - تجارب الحياة وما يجد فيها، تدل على أن الإنسان، سواء أكانت مسؤوليته كبيرة أم غير كبيرة قد يفاجأ بأمر لا يرتاح إليه، وقد يكون مصدر إزعاج له، فماذا يعمل؟
إن كان سبباً في ذلك فليراجع نفسه، ويتأمل ما اتخذه من إجراء سابق، هل هو صحيح أو غير صحيح. فإذا كان غير صحيح، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وقد يكون ما فاجأه خيراً له، لأنه تنبيه على خطأ، ينبغي أن يصحح، ولا ينبغي له البحث عن مبررات لعمله السابق. والمسلم مطالب دائماً بمراجعة النفس والرجوع عن الخطأ والتوبة الخالصة إلى الله.
5 - قد يتعرض المسؤول لمشكلات ومتاعب أثناء عمله، سواء من العاملين معه، أو من المستفيدين من العمل، أو من غيرهم، فمن طبائع البشر في حياتهم الاختلاف في القدرات والإنجاز والتصرفات.
وأفضل وسيلة لمواجهة المعاناة في ذلك الصبر والتحمل، وحسن الظن فيمن كان سبباً في ذلك، والتركيز على الجوانب الإيجابية، والتخفيف من النظرات السلبية المتشائمة، فالمسؤولية أمانة، وهو مكلف بأدائها، وعليه أن يخاف الله، ويخلص في عمله لربه، وأن يرجو منه الجزاء والمثوبة والعفو، وأن البشر لن يغيروا شيئاً كتبه الله له أو عليه.
6 - عمل الإنسان أياً كان في عمل حكومي أو غير حكومي، عام أو خاص، بما في ذلك عمل الإنسان لنفسه، ومحاسب عليه، فلا بد أن يراعي فيه قيم الإسلام وأحكامه، وأن هذا العمل أمانة - وبخاصة إذا كان في مصالح عامة - يجب أداؤها على أفضل وجه، ووفق النظم المعمول بها، وبما يحقق المصلحة العامة، وأن يكون الإنسان عادلاً، ناصحاً له ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
7 - الإنسان قدراته وإمكاناته محدودة: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا} (28) سورة النساء.
ومطلوب منه أداء واجبات ثابته في عبادته لربه، وفي الحقوق التي أوجبها الله عليه في أسرته وفي مجتمعه.
وأمامه فرص كثيرة لأعمال الخير وخدمة المجتمع، وذلك يتطلب منه - حتى ينجح في دنياه ويسعد في أخراه - ترتيب الأولويات، وأداء الواجبات والحقوق في وقتها، وفق استطاعته وقدراته.
8 - مما يعني على نجاح المرء في عمله أن يركز تفكيره وقدراته على القضية التي يعالجها، وأن لا يشغل نفسه بالتفكير وقتها في قضايا أخرى، والأمور قد تحدث وقد لا تحدث.
9 - من أسباب نجاح الإنسان في عمله، ومعالجته للمشكلات التي تمر به أثناء العمل: أن يستشير ذوي الخبرة، ويستفيد من أصحاب التجارب، وإن كان لديه اقتناع بوجهة نظره. وعليه ألا يستهين بآراء من هم أقل منه في المسؤولية، فقد تكون آراؤهم ونصائحهم أفضل أسلوب لمواجهة المشكلات.
وختاماً.. وعلى الرغم مما سطره العالم الجليل الشيخ الدكتور عبدالله التركي في (لمحات من الذاكرة) إلا أني أجزم أنه لم يكتب كل شيء، وبالذات ما يتعلق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومشواره الطويل معها وهي قصة عشق لا تنتهي بعد..!! والجميع ينتظر إصدار آخر متعلق بالجامعة (الأم) التي لا تغيب عنها الشمس.
وفيها الكثير من الذكريات والمواقف التي قد لا يجيد الكتابة عنها أحد مثل أبي فهد - متعه الله بالصحة والعافية.