عندما نتطرق للتراث الوطني تبرز المساجد وخصوصاً التاريخية منها كأهم عنصر في تراثنا الوطني، فالمساجد التاريخية؛ بيوت الله، التي ينبغي حفظها وحمايتها من الاندثار أو الزوال لأهميتها ورمزيتها ومكانتها الرفيعة في ديننا الإسلامي الحنيف، فإضافة إلى كونها داراً للعبادة تعد مقصداً مهماً لاكتساب العلوم الشرعية والالتقاء بين المسلمين. ولذا فإن العناية بها «مسئولية دينية.. وطنية.. حضارية».
ومن مبدأ نسبة الفضل لأهله، فإن برنامج العناية بالمساجد التاريخية تبناه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان قبل أكثر من (18) عاماً، وذلك في إطار اهتمام سموه بكل ما له صلة بخدمة بيوت الله والتراث العمراني، وكان ذلك قبل أن يصبح سموه رئيساً للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. وتعود فكرة تأسيس البرنامج إلى رؤية تبناها سموه بالتعاون مع معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وقدمت الرؤية إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله- ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام - آنذاك- حيث تفضل سموه - رحمه الله - بالموافقة على رعاية البرنامج ودعمه مادياً. ومنذ ذلك التاريخ تأسس هذا البرنامج في مؤسسة التراث الخيرية، حيث عملت المؤسسة على توثيق وترميم عدد من المساجد التاريخية في مناطق مختلفة من المملكة.
أعود إلى ما بدأت به واقتبس بعضاً مما تطرق إليه فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس من توجهات نحو العناية بالمساجد، حيث أكد فضيلته بأن «رسالة السياحة والتراث الوطني رسالة عظيمة عريقة إسلامية تاريخية وطنية عالمية»... «وأن الواجب علينا جميعاً، في مؤسسات الدولة والجهات الحكومية والأهلية والأفراد ورجال الإعلام ورجال الأعمال أن نمد أيدينا مع هذه الهيئة جسوراً للتعاون البناء وأن ننهض برسالة السياحة والتراث الوطني في بلادنا على أنه مشروع إسلامي تاريخي سياحي تراثي حضاري». كما أكد فضيلته أيضاً «إن للمساجد مكانة عظمى ومنزلة كبرى في هذا الدين، وهي منبثقة من العناية بأصولنا وتراثنا وعقيدتنا وثوابتنا». وهذه الرؤى من فضيلته تشكل نبراساً وخارطة طريق يقتدى بها في برنامج العناية بالمساجد التاريخية.
أختم مقالي هذا بإبراز فضل العناية بالمساجد المتوج بقول الله تعالى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}. وعمارة المساجد لها جانبان جانب حسي وهو العبادة وإقامة الصلوات والدعوة والإرشاد، وجانب مادي يتمثل في بناء المساجد وصيانتها والعناية باستدامتها. وقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم «من بنى لله مسجداً ولو كمحص قطاة لبيضها، بنى الله له بيتاً في الجنة». ومن هنا تتضح أهمية العناية بالمساجد وعمارتها، وهي من الأعمال التي يحرص عليها المحسنون وخصوصاً من أغناهم الله من فضله، ونشهد بحمد الله تسابق الجهات الحكومية وأهالي القرى التراثية نحو إعادة تأهيل المساجد التاريخية في قراهم ليس للصلاة بها فقط بل للمحافظة عليها كرمز تاريخي حضاري، ومن ذلك ترميم جامع بلدة الخبراء التراثية بالقصيم والصلات فيه بعد انقطاع دام لأكثر من (30) سنة.
د. محسن بن فرحان القرني - متخصص في التصميم والتراث العمراني