هاني سالم مسهور
فجر يوم الخميس 26 مارس 2015م احتمل متغيراً سياسياً مهماً في تاريخ الشرق الأوسط، فالقرار السعودي بوضع حد قاطع للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية أنهى فصلاً من ثلاثة عقود حملت فيها طهران الفوضى للعالم العربي، وتزايدت هذه الفوضى مع دخول ما سُمي بالربيع العربي في 2011م مما كرَّس الوجود الإيراني في المنطقة وزاد كثيراً من التصادمات الإثنية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لذلك لم يكن قرار السعودية بخوض الحرب في اليمن غير بوابة رئيسة لحجم التغيرات الكبيرة في الدور السعودي.
كان على الملك سلمان بن عبدالعزيز أن يتعامل مع خطر حقيقي يتهدد الوجود القومي العربي في أهم قواعده الجغرافية، فسقوط اليمن وإلحاقه بالعراق وسوريا ولبنان يضع العرب أمام خطر يهدد وجودهم، ويضرب العمق القومي العربي، ومن الأهمية الإستراتيجية هنا النظر إلى الممرات المائية الدولية، إذ تسيطر إيران على مضيق هرمز في الخليج العربي وتحاول من خلال بسط نفوذها على اليمن أن تسيطر على مضيق باب المندب مما يجعل الأمن العربي في مهب الريح.
«عاصفة الحزم» كانت مدخلاً للرياض لاستعادة الدور العربي، هذه هي الجزئية الأكثر أهمية، وهي الأكثر تغييباً عن الذهنية العربية التي ومع تقدم الأيام أكدتها القيادة السياسية السعودية من خلال التحالفات الجديدة، ومن خلال استغلال كامل القدرة السياسية للعب الأدوار المحورية في المتغيرات السياسية على الصعيد الدولي والإقليمي، لذلك نرى أن الرياض وهي تقترب من حسم المعركة في اليمن لصالح الشرعية الدستورية ترسل طائراتها المقاتلة إلى قاعدة انجرليك التركية التزاماً منها تجاه استعدادها للتدخل البري في سوريا لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي.
التحولات السياسية الواسعة للمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط تتناغم وقدرتها وإمكاناتها، فإذا كانت إيران قد نجحت في الحصول على الاتفاق النووي مع الغرب فإنها وجدت نفسها في موقف صعب بعد أن أعلنت السعودية في منتصف ديسمبر 2015م عن «التحالف الإسلامي» والذي نجحت فيه باستقطاب أكثر من أربع وثلاثين دولة إسلامية مما يضع إيران أولاً في موقف لا تحسد عليه، فإما أن تكون دولة إسلامية وتنضم إلى هذا التكتل أو أن تنحاز لما صنعته هي بيدها..!!
التوازنات في ميزان القوة بالتأكيد حصل فيه تغيرات كبيرة، فالسعودية باتت رقماً مهماً وكتلة سياسية وعسكرية واقتصادية ضخمة لابد من التعامل معها بقدر حجمها، وهذا ما نجحت فيه المملكة العربية السعودية عبر التحالفات الثنائية أو عبر التكتلات الواسعة والمتعددة الأطراف. في هذا الصدد علينا أن نتذكر أن الأشهر الأولى لحكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حملت سمة مهمة عندما استقبل العاهل السعودي عشرات القادة السياسيين في العاصمة الرياض، فلم تكد تتوقف اللقاءات الرسمية، وهو ما يؤشر إلى أن عملاً سياسياً كان يتم التحضير له.
نجحت المملكة في الوصول إلى هدف إستراتيجي مهم في سياق هذه التوازنات الدولية، يتمثل في الوصول إلى إنتاج عشرة ملايين ونصف المليون برميل يومياً، وهذا الهدف لم يكن لمجرد جني الأرباح السريعة من أسواق النفط، بل هو هدف تريد منه المملكة المحافظة على السوق العالمي النفطي بالتوازن بين العرض والطلب، هذا السعي السعودي لم يكن موجهاً ضد طرف من الأطراف الأخرى بقدر تحقيق توازن اقتصادي وعدم ترك فرصة للمنتجين خارج منظمة أوبك لاستنزاف الموارد النفطية في العالم.
هذه اللمحة فيما تلعبه المملكة العربية السعودية من أدوار كبرى في الشرق الأوسط والعالم يقودنا مرة أخرى إلى ناحية هي الأجدر بأن الرياض وهي تلعب الدور العربي في إيقاف هدر الدم العربي، واستعادة بلدان أخرى عربية كانت قد اخطفت وأوشكت أخرى على الاختطاف، فهنا يأتي الدور القيادي السعودي وفي واحدة من مراحل التاريخ الذي تراجعت فيه مصر، واختطفت فيه الإرادة العربية في دمشق وبغداد.
الدور القيادي للمملكة العربية السعودية هو مفتاح الأمن والاستقرار والتنمية في عموم دول مجلس التعاون الخليجية، وتعي الرياض أن كلفة هذا الدور يعني التعامل مع ظروف طارئة وأحوال مختلفة تتبدل كلما حدثت منعطفات سياسية في واقع الميدان السياسي والعسكري والاقتصادي، هذا الدور القيادي هو المحفز لتقود الرياض حلف الحرب على «داعش» وتذهب إليه في أرضه (العراق والشام) لاجتثاثه من جذوره، وهو كذلك الدور القيادي الذي عليه أن يطفئ نار الطائفية التي أحرقت الدول وهجرت الملايين من أبناء العرب ليكونوا لاجئين في أوروبا بعد أن ضاقت سوريا والعراق ولبنان بالشعارات الطائفية وأصبح القتل عنوان أنظمة اختارت أن تكون مع محور الشر الإيراني.