يوسف المحيميد
في عودة سريعة إلى ما حدث في اليمن، منذ هروب الرئيس الشرعي، وسقوط العاصمة صنعاء بيد الميليشيات الحوثية والمخلوع صالح، تنبه العالم إلى جنوب الجزيرة العربية، فالتمدد الإيراني كان شمالا، في العراق وسوريا ولبنان، لكن المفاجأة تلك المرة جاءت من الجنوب، وكأنما هو حصار للمملكة ودوّل الخليج العربي من الشمال والجنوب، حتى أن مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، والمقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي صرح باستفزاز علني مقيت، بأن ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية، وأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية، حتى ظهرت مقاطع فيديو عشوائية، وأفلام وثائقية لمقاتلين حوثيين ينظرون بسخرية إلى الحدود مع المملكة، ويسهل تجاوزها والدخول إلى المدن الجنوبية السعودية، ثم كانت مناوشاتهم وعروضهم العسكرية الاستعراضية ومناوراتهم على الحدود!
من هنا، لم تكن الحرب أحد خيارات متعددة، بل كانت الطريق الوحيد للدفاع عن الشرعية اليمنية من جهة، وحماية حدود البلاد من جهة أخرى، خاصة بعد رفض الحوثيين الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض، فمنذ 14 سبتمبر 2014 تاريخ احتلال صنعاء من قبل ميليشيات الحوثي وصالح، وحتى بدء عاصفة الحزم في 26 مارس، أي نحو ستة أشهر من استخدام جميع أساليب الحوار والتفاوض، وبحث الحلول السلمية، دونما فائدة، بل كان يقابلها تعنت وعنجهية، وصلت إلى ملاحقة الرئيس الشرعي بعد هروبه إلى عدن، قبل تأمين خروجه من اليمن بحماية قوات التحالف تقودها المملكة!
كنا نشعر بالإحباط آنذاك، لما يحدث من فوضى وانقلاب على الشرعية في الدولة الجارة، وتهديد للبلاد من الحد الجنوبي، حتى جاء فجر السادس والعشرين من مارس الماضي، وبدأت إشارة انطلاق عمليات عاصفة الحزم، بتحالف دولي تقوده المملكة، تمكن من تحرير المدن اليمنية واحدة تلو الأخرى، وأعادت الرئيس لبلاده، للإمساك بزمام الأمور وإدارة البلاد عن قرب، فاستعادت الشرعية مكانتها، وتمكنت من السيطرة على حكم البلاد، ما عدا محاولات يائسة متفرقة، ستنتهي بإذن الله قريبًا.
ومع ذلك، فاعتداءات الحوثيين وقوات المخلوع صالح على المملكة، وانتهاكاتهم لحدودها، مستمرة، وقد تستمر لفترة أطول، إضافة إلى منعهم وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني المتضرر الأول من هذه الحرب، وذلك بحصار تعز، قبل أن يتمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من فك هذا الحصار، وتنفيذ قوات التحالف العربي إنزالا جويا تضمن أطنانا من الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية.
إن سياسة الحوثي وصالح وأسلوبهما، في الحصار اللا إنساني، لا يختلف أبدًا عن السياسة التي استخدمتها قبل ذلك ميليشيات حزب الله في حصار بلدة مضايا السورية، لأكثر من ستة أشهر، حتى انتشر الجوع والموت والخراب فيها بصورة مريعة نقلتها عدسات الإعلام العربي والغربي.