في زمن كثرت فيه الوسائل الإعلامية بين الغث والسمين، وانتشر فيه المحدثون والمفتون في كل شيء( ما يعلمون ما لايعلمون) وأصبح المحدث استعراضياً جماهيرياً مهرجاً، وابتعد العالم الحقيقي محتفظا بكرامته، فخلا الجو لأنصاف المتعلمين وأصحاب البضائع القليلة في العلم، وصارت هذه الفئة تسيطر على المنتديات والمحاضرات وتقبض الأجر الدسم من الممون الجاهل الذي يبحث عن اسمه في أي حائط كُتب عليه، فأفتى بعضهم بالجهاد وآخر بالتكفير والثالث ببث السموم من خلال الوسيلة الإعلامية المفلسة فكرياً،وكل ذلك باسم الإسلام، والعالم ينتظر من يأتي إليه ليجيب عن سؤاله أو يتصل به ليفتيه، لكن الرعاع يختصرون المسافة ليسألوا ذلك المستعرض أمامهم ليفتيهم فيما هو أسهل وأقرب، فيشرِّع لهم الجهاد دون أن يعرف أو يتجاهل ما يعرف( والله أعلم بما في قلبه) فيأخذ الجهاد على إطلاقه، ولم يوضح للشاب المسكين، أن للجهاد شروطاً وضوابط أو لها أن يكون تحت راية ولي الأمر، وثانيها موافقة الوالدين، وثالثها الدفاع عن الوطن أو العرض أو المال، وغيرها، ولن أخوض في هذه المسائل فهي ليست هدفي من كتابة هذا المقال المختصر، بل الهدف ما تردد في وسائل الإعلام الهزيلة المفلسة، التي تبحث عن مادة إثارية تزعم أنها ستجلب لها متلقياً أو معلناً يسد حاجتها المادية والمعنوية، وما يتردد هذه الأيام شيء مزعج يدل على أن تلك الوسائل وصلت إلى الحظيظ في تفكيرها، والموضوع الذي تناولته لا يستحق كل هذا الزخم والتهريج وشحن نفوس العامة من الناس، حيث كتب أحد الأساتذة موضوعاً حول توسعة الحرم النبوي( على ساكنه أفضل الصلاة والتسليم) ونشر أول مرة في صحيفة الإندبندت البريطانيةIndependent، مترجماً إلى الإنجليزية عن البحث المكتوب أصلاً باللغة العربية، وهناك ملاحظتان: إما أن المترجم لم يفهم النص كاملاً، وإما أنه خان رسالته العلمية في الترجمه، فقال : إن الباحث يريد نقل رفات الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، رضي الله عنهما إلى مكان مجهول. وهذا كلام لم يقله الباحث، وهو ما أثار حفيظة المسلمين الذين لم يقرؤوا البحث في لغته، وأخذتهم أساليب الإعلام الباحث عن الإثارة دون التحقق العلمي من المقاصد إلى تصديق هذه العبارة الكاذبة، وبالتالي استغلت تلك القنوات هذه العبارة لما فيها من إثارة، وأنا لا أدافع عن الباحث ولا عن رأيه الذي قيل عنه ولم يرِد، والبحث في حد ذاته بحث ضعيف حشريه الباحث المصادر والمراجع، التي يُعتمد عليها أحياناً، وبعضها ليس بذي قيمة، وكلها تتحدث عن تاريح المسجد النبوي بما يشبه المذكرات، وقد تضاربت حولها الأخبار والآراء منذ القدم.
وتوسعة الحرمين الشريفين، مكة والمدينة، لم تأت من فراغ، ولا من آراء فردية، ولا من مذهب معين،ولا من علماء السعودية وحدهم، بل جاءت من علماء معتبرين من العالم الإسلامي كله، وليس من واعظ مجتهد أو مستعرض ببضاعة مزجاة،والمملكة العربية السعودية لا تقدم على مشاريع كهذه من فيض الخاطر أو من رأي لا يعتمد على الدليل والمراجعة والدراسات الجادة من جميع النواحي، بما يخدم شئون المسلمين التي عهدت إليها رعايتها والقيام على خدمتها لما يكون فيه خدمة للحجاج والمعتمرين والزائرين، ولا عبرة لقنوات رخيصة لا تحترم نفسها ولا تسعى للتوافق والتقريب، بل تسعى لعكس ذلك، ظناً منها أنها ستجذب إليها مشاهداً عالماً محترماً، سيفتح لها كيس الدعاية المدفوعة ليرتقي بأوضاعها المالية المكتسبة من هذا الهراء والدجل. وقد أصدرت المملكة العربية السعودية بياناً للمسلمين أنها لن تعمل بهذا المقال العابر.فأدعو كل قناة وإذاعة وصحيفة تحترم نفسها أن تبتعد عن هذا التزييف والشعارات الجوفاء، وتحترم عقلية متلقيها ببث الحقائق وليس الأكاذيب، فما يريد هؤلاء بعد قرار الحكومة السعودية بعدم تفعيل هذا المقال، وأن الأمور تسير كما خطط لها، وقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم سيبقى كما هو والتوسعة لن تمسه، وأرجو من العلماء المعتبرين شرعاً أن يوضحوا للعامة هذه الأمور، لسد الباب على مروجي الفتن والإشاعات في زمن تكاثرت فيه الفتن، شرقاً وغرباً من أطراف تحرك الفتن باسم الربيع العربي، وما هو بربيع، بل دمار وفتن عرقلت التنمية وصيرت العقول في أيدي المنتفعين من دماء المسلمين بايدي شبابهم المغرر بهم باسم الدين، وكفانا دجلاً بعد أن ظهرت حقائق المهرجين والمستعرضين في المجالس وعلى القنوات المأجورة، وأرجو من المعلمين والمربين أن يعرفوا أن رسالتهم التعليم والتربية الحسنة، وليس بث روح العداء بين المسلمين والترويج للحركات المتطرفة، وليعلموا أن بين أيديهم عقولاً طرية، فليوجهوهم لحب الوطن وطاعة الوالدين، بدلاً من تحريضهم وذكر مناقب المتطرفين، وليعلموا أن الله سيحاسبهم على ما يقدمون، وعلى خطباء المساجد أن يوضحوا في خطبهم شطط هذه الآراء، وأن يصرف الشباب أوقاتهم في العلم والتحصيل والثقافة والقراءة ومتابعة البرامج النافعة المفيدة،ويكفيهم ما يرونه في الأخبار من قتل وترويع وجوع وتشريد، وليعلموا» أن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»وأن يحكموا عقولهفيما يشاهدون ويسمعون، وأن يستفيدوا من نعمة العقل.