أ. د.عثمان بن صالح العامر
من النعم التي منَّ الله بها - عزَّ وجلَّ - على حائل جمال الطبيعة، وسحر البيئة، ونقاء الجو، فلون حصبائها، ونظافة بطحائها، وانبساط أرضها، وشكل جبالها، وانسيابية تلالها وهضابها و... تأسر القلب، وتستثير المشاعر، وتهيض الخاطر، وتأخذ بمجامع الفؤاد، وتحرك ما بين الحنايا، ولذا لا تعجب حين ترى - وأنت تجوب صحراء حائل وتتنقل بين نفودها وهضابها - شخصًا جالسًا وحده لحظة غروب أو إشراق، يرسل ناظريه مدّ بصرة ليروي ظمأ النفس العاشقة، ويطفئ ولع الولهان، واستنطقوا إن شئتم قصائد الشعراء المبدعين، وكتابات الرحّالة المستشرقين، ولوحات الرسّامين، اسألوا شباب حائل وكبارها على حد سواء «لماذا هم مولعون بالبر حد الإدمان»؟!
إن الطبيعة الحائليّة لوحة رائعة أبدعها الخالق سبحانه وجمّلها في عيون أهلها والزائرين، ومع ذلك فهناك - للأسف الشديد - فئام من مرتادي البر شوهوا هذا الإبداع الربّاني المتميز برمي المخلفات، وعدم الاكتراث بنظافة المكان، مما دفع بالغيورين للتنادي بتأسيس فريق «أصدقاء البيئة» تحت مظلة مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بحائل، فانخرط به أكاديميون متخصصون، ورجال أعمال معروفون، ومتطوعون متحمسون، وذلك من أجل حماية الطبيعة والمحافظة على هذه اللوحة الخلابة دون أن يشوهها تصرف غرّ لا يعرف للمكان حقه ولا للجمال وقعه وأثره في النفس الإنسانية .
إنني هنا - وأنا أطرق هذا الموضوع المتشعب والمهم - أستشعر واجب الشكر أولاً لله - عزَّ وجلَّ - على ما منَّ به علينا من نعمة جمال المكان وروعة الطبيعة، ثم الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز أمير المنطقة الذي كثيرًا ما أكد في أحاديثه وتصريحاته واجب المحافظة على طهر ونقاء البيئة وسلامة وصفاء الطبيعة، والشكر موصول لمؤسسات التعليم (عمادة شئون الطلاب في جامعة حائل، والنشاط الطلابي في الإدارة العامة للتربية والتعليم) على الحملات الميدانية الهادفة إلى التوعية والمشاركة الفعلية في تنظيف وإزالة المخلفات في البراري والمنتزهات بين الفينة والأخرى، وشكر خاص لمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وفرع وزارة الزراعة وأمانة حائل، والهيئة العليا لتطوير منطقة حائل و.... أما عن فريق «أصدقاء البيئة» فكلمات الشكر تتقازم أمام جهودهم الرامية إلى رفع درجة الوعي إزاء البيئة الطبيعية التي تتمتع بها المنطقة، والتي تولَّد عنها - بعد توفيق الله سبحانه وتعالى - تغير في سلوك شريحة عريضة من أصحاب القيلات «الكشتات» حتى صرنا نرى ونسمع عن مبادرة شباب يلتقطون صوراً حية لمخلفات تركها أبناؤنا بعد مغادرتهم المكان، ويكتب هؤلاء المتطوعون تعليقاتهم المعبرة، وربما كان لهم حديث مسموع يشعر بالمسئولية ويذكر بالواجب الشخصي إزاء طبيعتنا الأخّاذة، وآخرون أبدعوا أكياساً خاصة للبر يمكن ربطها بشكل محكم حتى لا تنبعث منها الروائح، ومن ثم تعليقها بمؤخرة السيارة لإيصالها إلى أقرب صندوق مخلفات ونفايات، وثالث... ورابع....
إننا في كل عام بعد انتهاء موسم الرالي والاحتفال بنجاح فعالياته التي تسرّنا جميعاً نبكي ونحزن أشد ما يكون الحزن على بيئتنا الطبيعية التي اعتورها الجنوح ولحق بها الإضرار، ونتنادى بواجب العمل الجماعي لعل وجهها الرائع والمميز يعود كما كان أو قريبًا منه، ونحن اليوم وقد شارف موسمنا الحادي عشر على الرحيل نتطلع ممَّن سعدنا بوجودهم بيننا هذه الأيام، فضلاً عنا نحن أهالي هذه المنطقة من بلادنا الغالية، أقول إننا نناشد ونأمل من الجميع أن يعمل على نظافة المكان حتى يظل رائعاً كما كان وأحسن مما كان، فهو ملك للحاضر والباد، ومن حق غيرك أن يستمتع به كما استمتعت أنت به من قبل، خاصة ونحن ننعم هذه الأيام بفيض الرحمن الرحيم الذي منَّ علينا بالغيث، الذي أسأل الله - عزَّ وجلَّ- أن يكون صيباً نافعاً، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، والسلام.