أ. د.عثمان بن صالح العامر
الحياة مليئة بالفتن والملاحم فضلاً عن المنعطفات والمتناقضات والمنغصات.
# أحيانا يغمض الواحد منا عينيه وهو يجلس في غرفة ضيقة ويقبع بزاوية منها مظلمة، يجري تجربة الظلام الدامس بنفسه على نفسه، ليعرف كم هو مؤلم أن يعيش بلا بصر يشاهد به من حوله و يرى صباح مساء من يسكن معك ويشاركه تفاصيل وجعه اليومي.
# أشد من هذا من يجازف ويخاطر بفقد البصيرة التي بها حياة الروح فيتنكب جادة الحق وتستهويه الشياطين - أنسهم وجنهم - حتى يوردوه المهالك.
# أحيانا تستهويك القراءة في المناطق الموحشة والأحداث المؤلمة وفلسفة الموت.
# قد يغريك البحث عن المجهول في تقصي حقيقة المهمشين والمقهورين ومعرفة أسرار المساجين والمحبوسين خلف القضبان التي لا يُعرف هل لها مفتاح أو لا!!؟.
# ومع أن ما كتب في هذه الزوايا المظلمة المخيفة - مسلوبة الحرية موصدة الأبواب مغلقة النوافذ ومحصنة الجدران - كثير، إلا أن رؤيتك أنت ووقوفك بنفسك على تفاصيل المشهد ومفاصله أبلغ بكثير عن كل ما دون وقيل.
# الأربعاء قبل الماضي وبعد أن أنهينا زيارة مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية بمعية معالي مدير جامعة حائل توجهنا لسجن الحائر الذي يعيش فيه الموقوفون بقضايا إرهابية وانحرافات عقدية وفكرية ويتنمون إلى جماعات تكفيرية تهدد أمن الوطن وسلامة المواطن.
# الصورة الذهنية مع كل التحسينات التي أدخلت عليها - جراء السماع من قبل لما قيل ممن مروا بتجربة الإيقاف في هذا السجن بالذات، وقراءة ما دونه وغرد به أمثال هؤلاء في حساباتهم الشخصية - أقول إن الصورة الذهنية لا يزال فيها بقية من تصورات مشوشة وغير صحيحة عن سجن الحائر التابع للإدارة العامة للمباحث على وجه الخصوص، جراء القياس والمقارنة الطبيعية بين الحائر وبقية السجون المماثلة في بلادنا العالم التي نسمع عنها ونقرأ وربما شاهدنا شيئا من حقيقتها عبر وسائل الإعلام المختلفة.
# كانت الخطوة الأولى للوفد بعد تسلم بطاقات خاصة بالزائرين، الاستماع لعرض شامل ومتكامل عن هذا النوع من السجون، أعقبه جولة على عنابر السجن ومرافقه الحكومية والمالية و الصحية والخدمية والخاصة وغرف التحقيق.
# التقينا بالموقوفين في غرفهم الواسعة والنظيفة، ومكتبتهم ذات العناوين المختلفة والفنون المتعددة، وملاعبهم... واستمعنا إلى إبداعاتهم التسجيلية في استديو التسجيل الخاص بهم، وقرأنا ما أبدعوه «كتابة ورسماً» في العدد الأول من نشرتهم الدورية، دخلنا على المنومين وهم على الأسرة البيضاء، سألناهم جميعاً عن كل شيء يخطر بالبال، وكان الجواب منهم على جميع ما طرحناه من أسئلة جواباً إيجابياً ومفرحاً يظهر اعتناء إدارة السجن بهؤلاء الموقوفين ومنحهم كامل حقوقهم التي يدندن حولها الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان، بل وأكثر من ذلك بكثير، فالحال في داخل السجن يختلف جذرياً عمّا في ذهنية البعض منا التي بُني ما عندها على مجرد التوقع والتخمين والقياس والمقارنة التي ليس له من الحقيقية نصيب، مع العلم أنهم كانوا يتحدثون لنا بكل حرية وأريحية وشفافية وصدق.
# كان من يرافقنا في الجولة أنموذجاً في الأدب ودماثة الخلق وحسن التعامل وجودة الشرح والتعريف الكامل والواثق، ولذا لم نتعجب من احترام وتقدير وفرحة الموقوفين به وحرارة سلامهم عليه مما ينم عن محبة وتقدير وثقة.
# لم تخل تعليقاتنا وأسئلتنا - ونحن نتنقل بين جنبات هذا المرفق الحكومي الضخم الكامل المتكامل والمجهز بأحدث التقنيات والخدمات و المرافق الترفيهة والصحية - أقول لم تخل هذه التعليقات والأسئلة من الصراحة المتناهية جراء التعجب مما لم يكن يخطر بالبال لدى البعض منا المبني على التصور الطبيعي الذي نحمله عن السجون عموماً ومثل هذا السجن على وجه الخصوص.
# لم يكن في غرفة التحقيق سوى طاولة وكراسي وكاميرات مراقبة للتوثيق والرصد حتى لا قدر الله تعرض أحد الموقوفين أثناء التحقيق للتهجم اللفظي أو الجسدي واحتاج الأمر للعودة مرة ثانية للتسجيل من أجل الإثبات أو النفي كان هذا موجوداً.
# كانت هناك غرف مخصصة للزيارات الأسرية القصيرة، فضلاً عن «بيت العائلة» المجهز فندقياً بشكل يلفت الأنظار ويعطي للزائر المنصف الدليل والبراهان على منزلة الإنسان الرفيعة وكرامته الحقيقية في قاموس قيادتنا الحكيمة الحريصة على عودة هؤلاء لجادة الحق وسبل الرشاد.
حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذلّ أعداءنا، وأدام عزنا، ورزقنا شكر نعمه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.