رقية الهويريني
من أسوأ ما يمر به المرء في حياته ألا يكون ثمة سواه في الساحة! فيجد نفسه تخوض المنافسة مع الأصفار! ويصفق له الجمهور ويمنح جائزة التفوق دون شعور منه بطعم ذلك الانتصار ولذة التفوق على الأقران!
وما كان التوق للفوز يزداد حلاوة لولا أن خصمك كان عنيداً، ولن تتصاعد وتيرة الفرح إلا حينما يكون نِدُّك شرساً بدون عنف! وهكذا هي الحياة، لا تقبل الخمول والكسل والتواني، بل تقذف بهؤلاء كما يقذف البحر الأسماك النافقة والقوارب الرديئة المتهالكة على ضفافه!
وأن يترك الآخرون لك حتى خوض غمار السلم فإن ذلك يشعرك بالملل، ويسكنك السأم ويفقدك جمال المنافسة التي تعد الوقود في هذه الحياة. وإني لأعجب من قوم ما هم إلا هوامش يستمرئون الجلوس في خانة الأصفار دون أرقام طلباً للسلامة، وما ذلك إلا خنوع واستكانة وموت بطيء!
ولم أجد غير إيثار السلامة سبباً لثني العزيمة، وإجبار المرء بالتخلي عن الجلوس على عرش الذكرى التي حينما يتركها المرء بعد رحيله تزهو به الأجيال وتردد أفعاله حينما يرد اسمه، بل وتفخر الأرض أن مر هذا العظيم على أديمها وغبّر قدميه بصنوف التجارب وأشكال الاختبارات!
ولم أجد غير الصبر والجلد درعاً واقية من عاديات الزمن وخذلان الأحبة وشماتة الأعداء!
إن وصول أمتنا العربية لهذا المنحدر الهابط، وإلى الدرك الأسفل من الخنوع لم يكن ليحدث لولا استسلام أبنائها وتخاذلهم، واستمراء الدونية المحبطة!
ولعل البعض يتوقع أن النهوض لا يستقيم إلا بإشعال الحروب وزيادة أعداد الأعداء! ولكنه في الواقع لا يتم إلا بالتسلح بالعلم والمعرفة وإذكاء روح المنافسة للجميع دون مجاملة أو وسيط، وفتح المجال لذوي القوى الفكرية دون تخذيل أو تقليل أو تعقيد، ونبذ الكسل وإطراح الخمول.
إن أجمل نعمة وهبها الرزاق للإنسان هي العقل، وإن لم يفسح المجال لذوي الأذهان الوضاءة والأفكار النيرة في العمل والإبداع فإنهم حتماً سيتحولون لأصفار تضاف على الكم الهائل من تلك التي تسير على وجه الأرض هائمة تمارس التكاثر بلا تعكير، والأكل بلا تفكير، والنوم بلا تكدير.
إن المجتمع ما هو إلا مجموعة أفراد، وإن لم تهيأ لهم البيئة المناسبة لشحذ هممهم وتشجيعهم بالتخطيط لتكون لديهم أهداف سامية وأحلام واقعية؛ فإن خانات الأصفار إلى تكاثر!!