محمد بن فهد العمران
لسنوات طويلة، كنا نقرأ العديد من التقارير الاقتصادية التي تشير بأن احتياطيات المملكة من النفط ستكفيها لفترة لا تقل عن 50-60 سنة على أقل تقدير في ظل ثبات المتغيرات الحالية في أسواق النفط العالمية، ثم ظهرت في السنوات الاخيرة تقارير أخرى تشير إلى خطر جديد ومفاجئ يهدد مستقبلنا الاقتصادي يتمثل بنمو الطلب المحلي على النفط بوتيرة أعلى من النمو الاقتصادي للمملكة وأنه في حال استمرار نمو الطلب المحلي بنفس الوتيرة العالية مستقبلاً، فإننا قد لا نجد ولا نستطيع تصدير نقطة نفط واحدة قبل عام 2030م وهذا بلا شك أمر مقلق للغاية يتفق عليه جميع الاقتصاديين !!
لذلك، كان لابد من إجراء إصلاح اقتصادي تاريخي وشامل لمعالجة الخلل الذي تسبب في وجود هذا الطلب المحلي «المفرط» على النفط (والذي أصبح يشكل الآن أكبر خطر يهدد اقتصادنا) وفي أسرع وقت ممكن، حيث كانت البداية من إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة الذي يهدف لرفع كفاءة استهلاك الطاقة محلياً ثم تبع ذلك تبني حكومة المملكة (حفظها الله) لدراسة ماكينزي الأخيرة وتبني برنامج التحول الوطني الذي يعتبره الكثير أهم إصلاح اقتصادي شامل وتاريخي تتبناه المملكة منذ أكثر من 40 عاما، ولا أحد يدري ما إذا كان الوقت المتبقي سيكون كافياً لعلاج هذا الخلل الخطير خلال أقل من 15 سنة فقط من الآن أم لا؟
تأتي أهمية هذا الكلام بعد القرارات الأخيرة لمجلس الوزراء الموقر والمتعلقة برفع الدعم عن أسعار الطاقة (من لقيم بتروكيماوي ونفط ثقيل وغاز ووقود سيارات إلخ) والكهرباء والمياه التي تهدف إلى ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية للمملكة داخلياً وبالتالي الحد من الاستهلاك المفرط لها بشكل تدريجي خلال الخمس سنوات القادمة كما جاء في بيان وزارة المالية المصاحب للموازنة المالية لعام 2016م، مما يعني أننا قد نشهد المزيد من قرارات رفع الدعم مستقبلاً حتى تنجح الدولة (حفظها الله) في تحقيق هدفها الإستراتيجي بالمحافظة على الاستهلاك المحلي للطاقة عند مستويات معقولة عالمياً وبالتالي توفير موارد طبيعية كافية لأبنائنا وأحفادنا بإذن الله.
قد تكون قرارات فك الدعم الأخيرة (أو المتوقعة مستقبلاً) مؤلمة على الكثير من المواطنين ورجال الأعمال وهذه حقيقة، لكن هذا الألم لن يصل بأي حال من الأحوال لمستوى الألم الذي من الممكن أن تعيشه الأجيال القادمة عندما يكتشفون قلة في الموارد الطبيعية بسبب أن الأجيال التي سبقتهم أفرطوا في استهلاك الطاقة والكهرباء والمياه دون حسيب أو رقيب لأسباب سخيفة وأن رجال الاعمال (من ملاك المصانع تحديداً) كانوا ينظرون لمصالحهم الخاصة وتعظيم أرباحهم على حساب المصلحة العامة وتوفير موارد طبيعية كافية لمن خلفهم، بل ووصل الأمر بالبعض لتهريب الطاقة إلى دول مجاورة بحيل مختلفة دون أي عقوبات ضدهم أو تشهير بأسمائهم !!
بشكل عام، أعتقد أن حكومة المملكة من الآن فصاعداً ستنظر إلى المصلحة العامة فقط ولن تلتف لآراء وردود أفعال «بعض» رجال الاعمال الذين ينظرون إلى مصالحهم الخاصة حتى أوصلوا الاقتصاد الوطني إلى طريق مسدود مع الأسف الشديد، أما ما يتعلق بانتقادات بعض الإخوة الاقتصاديين لتقرير ماكنزي أو لكفاءة الطاقة أو لبرنامج التحول الوطني فهذه الأراء ليس لها أي أهمية وإن لم تتحقق لاحقاً كل الأهداف الاقتصادية كما هو مخطط لها بالضبط طالما أن الحكومة تتحرك في الاتجاه الصحيح وهذا هو المهم.