عبدالله بن سعد العمري ">
قد لا يفهم البعض أن بلدهم المملكة العربية السعودية واحد من أكثر بلدان العالم قوة ومركزا ومحورية، إنها الدولة الوحيدة القادرة على تغيير سياسات الشرق الأوسط وفق معطياتها وما تراه مناسبا لها. كيف لا وقد كسرت في ظرف سنة واحدة ما بنته المنظمة الإيرانية الصفوية في سبعة وثلاثين سنة منذ ثورة الإمام الخميني سنة 1979م. لقد كانت المملكة منذ تأسيسها قائمة على سياسة السيادة طالما أن الجميع يريد الاستقرار والسلام، ولكنها قد تتحول في لحظة إلى سيادة السياسة إذا تم انتهاك شرف حسن الجوار أو تهديد الأمن القومي.
في اليمن كان كل شيء مطمئنا حتى ارتأت القيادة الرشيدة أن الوقت حان لسيادة السياسة، فتم خلال ربع ساعة تأمين أجواء اليمن وخلال ساعتين للملاحة البحرية، والبدء بضرب المقاتلين المناوئين للشرعية الذين انتهكوا ميثاق المصالحة اليمنية 2011، وجمع أقوى دول العالم فتكا واستصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع في 73 ساعة.
وفي سوريا طالبت المملكة عشرات المرات بالحل السلمي عن طريق تطبيق ما جاء في قرارات جنيف 1 أو حتى جنيف 2، لكن مصالح الغرباء إيران وروسيا لم تكتفِ بقتل وتشريد ملايين السوريين السنة، بل تريد جعل سوريا دويلات متعددة الأجزاء لا دولة سنية متعددة الأطياف. فكان القرار حاسماً بالوجود العسكري السعودي على الأرض السورية رغم خطورته، ليتم التأكد من حقيقة زعم الروس والنظام السوري في محاربة التنظيمات المتطرفة، ولعل هذا الوجود السعودي إن تم فسيكون أكثر الأحداث إرباكا للأنظمة الطامعة ببقاء الأسد، حيث تدخّل السعودية سيكون حتماً بمباركة هيئة الائتلاف والجيش الحر اللذين يمثلان الشعب السوري المنكوب والمتفرق شمله على يد المقاتلين من روسيا وإيران وحزب الله ومرتزقة آخرين.
وعلى صعيد متسّق، يبدو أن إيران كانت تعي ضرورة أن تشرق شمسها على المملكة وأن تغرب أيضاً، فقد نشرت عبر سنوات طويلة سمّها في القارة السمراء «الواجهة الغربية للمملكة» من استحداث مراكز ثقافية إيرانية ومكاتب تنسيق، لتحرك المملكة أسطولها الدبلوماسي فتدمر خلال خمسة أشهر ما سعت إليه إيران عبر هذه السنين، ولتنهال دول مهمة عدة كالسودان وجيبوتي وتشاد ومصر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا وجزر القمر والصومال وغيرهم إلى تأييد مواقف المملكة، إما بقطع بعضهم علاقاتهم الدبلوماسية مع طهران، وإما بإغلاق مكاتب التنسيق الثقافي، وإما بالاشتراك مع المملكة بالمناورات العسكرية، أو الدخول مع المملكة في الحملات العسكرية باليمن.
وفي لبنان فإنَّ المملكة وببالغ الأسف قد كفت يدها الحانية عن طبطبة الرأس اللبناني الذي انتشر به قمل الأهواء، حيث تمت المتاجرة بالقرار اللبناني عبر صوت حزب الله المسموع بالقوة داخل كثير من الأجهزة الحكومية، ولكن لبنان الذي تنقصه السيولة المادية لن يتمكن من استعادة ثقة المملكة قبل أن يلفظ وللأبد بالمتاجرين به على قارعة الطريق.
إن المملكة اليوم قد باتت تحمل مشارط الجراح البارع في استئصال كل ما يؤدي إلى إفساد خلايا الجسم العربي من خلال قطع الشك باليقين، فكل ما تعتقد القيادة الرشيدة اليوم أنه سيؤذي المنطقة لن تتهاون في بتر اليد التي تحمله، وجاء هذا واضحاً على لسان سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - خلال استقباله ضيوف مهرجان الجنادرية من مختلف أنحاء الوطن العربي أن المملكة ستقف ولن تتهاون في تلبية نداء جيرانها وفي خدمة الإسلام.
إنني على يقين تام بأن المواطن العربي أو السعودي كان يتساءل ومن منطلق القلق عما سينتهي المطاف بالمنطقة إذا ما وقعت بيد إيران؟ ولكنني أكثر يقيناً اليوم بأننا نتساءل ومن منطلق الاعتزاز والنبوغ السياسي عما سينتهي المطاف بقوى الشر؟ وقد التف حول عنقها سديم أخضر، فأرعد في الشمال، وأعصف في الجنوب.
- الولايات المتحدة