يوسف المحيميد
في زيارتي الأخيرة لسلطنة عمان، للمشاركة في معرض الكتاب، كنت محظوظاً بزيارة دار الأوبرا السلطانية، التي افتتحت عام 2011، في وقت كان العالم العربي يصطخب بما يسمى الربيع، بينما عمان تطلق ربيعها الموسيقي، وتحتفل بالثقافة والفنون والجمال.
كم كانت مفاجأة كبيرة أن تمتلك عمان ثاني أوبرا عربية، فهذه التحفة المعمارية الجمالية، تقدم مختلف أنواع الفنون التعبيرية الثقافية، وتصدر روزنامة سنوية لحفلاتها الموسيقية، ومعارضها الفنية، التي ابتدأتها بعروض لمشاهير الموسيقيين في العالم، وأوركسترا لندن لهواة الموسيقى، وعروض موسيقية للفن العُماني، ويزداد الأمر جمالا بما تحتوي عليه هذه التحفة النادرة، التي تجمع في تصميمها بين الفن الإسلامي والهندسة المعمارية الإيطالية، فهي ليست مجرد صالة ضخمة لهذه العروض الموسيقية والمسرحية والأوبرالية، رغم أهمية هذه العروض بصفتها تمثل ثقافة جاذبة للإنسان، لكن هذا المبنى الضخم يضم سوقاً تراثياً، ومحلات للماركات الفاخرة، ومطاعم ومقاهي راقية متنوعة، مما يجعل زيارة دار الأوبرا تعني الامتلاء على المستويين الروحي والذاتي، بما فيهما من الاستمتاع بالفنون التعبيرية من جهة، والتجول والتسوق والجلوس في مقاهي مفتوحة على الداخل والخارج، وحدائق خلابة منسقة بشكل رائع، إلى درجة شعرت معها، في لحظة أجواء غائمة وممطرة، أنني لست في بلد خليجي!.
أثناء هذه الجولة الممتعة، كنت أستعيد في ذاكرتي ملامح مركز الملك فهد الثقافي، الذي يعد مركزًا متميزًا، يشبه في تكوينه وصالاته الضخمة، دار أوبرا، حتى ولو لم يتخذ ذلك اسماً له، لكن الزائر له يجد من الصعوبة التكيف مع المكان، كمقر للحضور والتآلف الإنساني، فهو بهو ضخم، وقاعات ضخمة متنوعة، مجهزة لعروض موسيقية، لكن تم إنشاؤه في مكان منعزل، لا تتوفر داخله جلسات مطلة، رغم إطلالته على وادي حنيفة، والنخيل العالي، ولا توجد فيها مقاهٍ للكتّاب والأدباء والفنانين، بل والعامة من الناس، ولا يحيط به الأسواق الجاذبة، فلا يمكن أن نعزل الثقافة أكثر مما هي معزولة، فهي ليست وباءً يحتاج إلى العزل، بل يجب أن تقتحم الثقافة بكل وجوهها حياة الناس العاديين، حياتهم اليومية، فكم كان جميلاً لو أحاطت بهذا المركز الأسواق التجارية، والمقاهي والمطاعم، كما كان جميلاً لو استغل موقعه المرتفع والمطل على الوادي، بإنشاء مقاهٍ ومطاعم وتأجيرها على الأسماء المشهورة، حتى تكون منطقة جذب، بدلاً من قفل أبواب المركز حتى تحين مناسبة ثقافية رسمية، يذهب إليها قلة من المثقفين، وعلى مضض، أو عند إقامة معرض تشكيلي، يشاهد رواده اللوحات وقوفاً، وفي يوم الافتتاح فقط، ثم يبقى خاليًا، ومهجورًا.
إذا كنا ندرك أن الفضاءات الثقافية لوحدها لم تعد جاذبة، حتى للمهتمين أنفسهم، فمن المنتظر أن يعمل القائمون على هذا المركز، على تطويره، وجعله مركزًا للثقافة والحياة، فلا يمكن تقديم الثقافة في أوعية ميتة، الثقافة دائماً هي معادل للحياة والتجدد، ونحن نمتلك القدرات المالية والبشرية، وعديد من المواهب الشابة في مختلف المجالات الفنية والأدبية، لكنها تحتاج إلى مكان يليق بالحيوية التي تمتلئ بها!.