ظنته نهرا يسري.. اقتربت منه.. بللت شفاهها الجافة، حسبت أنها ستصافح تلك القطرات التي تمضي بعيدا، لقد استطعمتها، غاصت فيها وانتعشت.. عزفت مقطوعة أثملتها.. شدتها ذات عبور خاطف بوميض برق وأفل مخلفا نورا ساطعا أغشي بصرها.. امتطت أحلامها الوردية، سارت معها الى حيث تلك الجزيرة النائية.. التي شيدتها ذات غفوة.. اعتلت بحبرها قمما ذات قيمة، قرعت الأجراس..
أقبلوا إليها من كل فج عميق، احتوتها قلوب نقية، بيضاء كالثلج، قرأت عليهم؛ قصة وفاء، وحكاية إنسان، وضربة ألم في الصميم.. خانتها قريحتها.. تجاهلتها الروح.. تحدثت نادت، صرخت في الأعالي: أيها السادة.. استمعوا، وعوا..إنه الطوفان قادم..
وهذه رسالتي اليكم.. إن أخذتم بها نجيتم.. وإن تجاهلتموها رددتم على أعقابكم نادمين..!
تردد صدى صوتها، ارتطم بجدار صلب وعاد إليها حاملا معه شقشقة عصافير، وأريج الزهور يحمله النسيم.. وصمت مهيب..
طوت صفحتها، رحلت، تركت خلفها كنوزا كأنها جبال، تجاهلت الحشد الزاخر الذي تلقاها بالطبول، والمزامير، والأهازيج في حبور، كلما نادتها الذكرى للعودة لتحمي الثروة من الضياع، وتخرج ما نحت في الصخر، وخبئ تحت الحجارة..
تضع أصابعها في أذنيها، مستنكرة.. يتلبسها غرور واستكبار.. وتصد مدبرة.. تغفو.. تطوي بها السنين.. حين غفلة تتهدم الصروح.. تتحلل في قوقعتها.. ويحترق الصقيع!
- قصة/ مريم الحسن