(الجزءان الثامن والتاسع من رحلات الحج) ">
إعداد - فواز أبو نيان:
الأستاذ أحمد محمد محمود يقوم منذ سنوات بجهد كبير في مشروعه التوثيقي «جمهرة الرحلات»، الذي صدر منه حتى الآن 16 جزءاً. وقد صدر حديثاً الجزءان الثامن والتاسع من كتاب رحلات الحج، وكذلك كتاب رحلات ورحالة إلى أرجاء المملكة العربية السعودية، وكتاب الرحالة الأجانب إلى الجزيرة العربية.
وقد اشتمل كتاب رحلات الحج على قصص كثيرة لمجموعة من الرحالة، وصفوا ما شاهدوه في أزمان مختلفة. وهذه الرحلات - بلا شك - تُعتبر من أهم الروافد لإثراء المعلومات، خاصة عن الحج وعن أهم رحلة في حياة الإنسان.
وجاء في رحلة أنجيلا ميلو والحاجة ليزا عبدالله: في نيسان/ إبريل 1996م أديت فريضة الحج. كانت تجربة رائعة للغاية.. غيَّرت حياتي.. إني أحفظ ذكراها محفورة في قلبي.. أمضيت سنتين في كتابة هذه الرحلة.
وصلنا إلى المسجد الحرام، وها هي الكعبة منتصبة أمامي بفخامة، يا لها من عظمة، من كرامة، مكسوة بالسواد، كبيرة، وكلها جمال. لقد شاهدتها من قبل في التلفاز، لكن ما أبعد ذلك عن الواقع. إنها الهالة من حولها التي تتركني مسحورة، وفيما أنا أمامها وعلى وشك البدء بالطواف تذكرتُ هذا الدعاء من القرآن الكريم {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}.
على الطريق إلى المسجد الحرام حوانيت عديدة، تبيع الفاكهة المجففة. الأرض جافة، والطعام جاف، والطقس جاف. هناك القليل من الماء؛ ولهذا طوروا طريقة للطهي بأقل ما يمكن من الماء. يا لها من حياة قاسية، يعيشها سكان الصحراء، غير أن قلوبهم طيبة جداً. وعندما أحاول أن أتكلم العربية، وأشرح أنني إيطالية اعتنقت الإسلام، تراهم كرماء جداً؛ يعطونني حسومات حتى قبل أن أطلبها.
وفي الجزء التاسع من كتاب رحلات الحج المزيد من القصص.
يقول الأستاذ أحمد محمد محمود: كل الرحالة المسلمين من مختلف المستويات الفكرية، والدرجات العلمية، والأوضاع الاجتماعية، لم يفوّتوا في كتبهم التقاط اللحظة الفريدة، اللحظة الأولى، التي تنقلهم فيها درجات السلم، والساحات الفسيحة، إلى داخل المسجد الحرام، وتقع أعينهم على الكعبة المشرفة؛ فتملأ قلوبهم ووجدانهم بمشاعر فياضة، نظموها شعراً، ونثروها درراً من النثر..
يقول أحد الرحالة: هزتني رؤيتي للكعبة أول مرة حتى الأعماق. ولقد بكيت كثيراً، وانتابني إحساس من يجد نفسه فجأة قبالة الحلم وهو يتحقق: كثيفاً، ملحوظاً، مؤكداً، يملأ السمع والبصر والوجدان.
كان الطواف سيالاً روحياً، غسلته دموع العين، فشف الوجد، وأصبح للحظات نقياً كالبلور، ولم أكن أحس وأنا أدور حول الكعبة بأنني أمشي على الأرض، ولكنني كنت أطير محمولاً على ألف جناح وجناح، منسوج من خيوط الأشواق.