تمارا سمير البغدادي
تشير كلمة «حق» بالمعنى اللغوي إلى الإِنْصاف والعَدالة، وبالقانون فالحق هو نصوص تشريعية لتنظيم حرية ومسؤولية الأفراد يكفلها المجتمع والقانون، جميع الأديان والقوانين الوضعية أقرت حقوق الأنسان فما هي حقوق ذوي الإعاقات؟ هل هي أقل من حقوق الإنسان المتعارف عليها؟ أعتقد أنهم أحق بتوفير اهتمام أكبر من منطلق أنهم «ذوي إعاقة»؛ فمن مسماها ندرك أن هناك ما يعقهم ويؤثر سلباً على أدائهم وقدراتهم.
نادى إعلان الأمم المتحدة «بوجوب احترام الكرامة الإنسانيّة للذوي الإعاقة، وحماية حقوقهم الأساسية؛ أسوة بأقرانهم بالمجتمع بغض النظر عن مصدر/طبيعة/شدة إعاقتهم عام1975، وأصدرت الأمم المتحدة «برنامج العمل العالمي للمعاقين» عام1983؛ للتأكيد على حقهم بالمساواة، وأُدرِج مؤتمر حقوق ذوي الإعاقات ضمن المؤتمرات الدوليّة السنويّة عام1992؛ لمتابعة شؤونهم بالعالم وحماية حقوقهم، واُعتمدت اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام2006، وسار المؤتمر العالمي الإسلامي للإعاقة والتأهيل منذ مطلع القرن21 على نفس الخُطى، وأصدرت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالمملكة عام2008 تقرير بمسمى «اعرف حقوقك» حددت فيه46 حقاً لذوي الإعاقة، وأصدر مجلس الوزراء السعودي قرارا؛ يقتضي بموجبه حصول المؤهلين منهم على إعانة لإقامة مشاريع فردية/جماعية، وتحمُل الدولة عنهم رسوم تأشيرات الاستقدام لمهن السائق/الخادم/الممرض، ونصت الاشتراطات الخاصة بالخدمات البلدية؛ بحقهم بمكان خاص لسياراتهم بالمواقف العامة والخاصة، وحقهم بخلو الممرات والأرصفة التي يسيرون عليها من العوائق والبروزات، وأن تكون أرضيتها مانعة للانزلاق، وتزود بالمنحدرات اللازمة واللوحات الإرشادية إلى جانب وسائل إيضاح مكتوبة بطريقة برايل للمكفوفين، وتشير بعض المواد الخاصة بهم الواردة بالأنظمة الحكومية؛ بحق الطفل ذا الإعاقة بالتعليم من خلال دمجه بالمدارس العادية، وتأمينه بالخدمات التأهيلية الشاملة؛ كالعلاج الطبيعي/الوظيفي/التعليم/الخدمات الاجتماعية/النشاطات الترفيهية/توعية وتدريب أسرته،؛ بالمجمل نصت الاتفاقيات على وجوب تسخير كل الإمكانات ليستفيدوا منها، الصورة تبدو حتى اللحظة مشرقة بما يتعلق بكفالة حقوقهم؛ طالما امتلكنا الأرضية القانونية والتشريعية الصلبة التي لا يسعنا إلا أن نقف تقديراً لها، لكن الواقع مختلف؛ فبمجرد النظر لحالهم نتبيّن ما حظو به من تنظير دون تطبيق لتلك القوانين والتشريعات من حيث سوء أحوالهم، هدر كرامتهم، والاعتداء على معظم حقوقهم التي كفلتها المواثيق الدّوليّة والعربيّة،؛ فآليات التطبيق والتنفيذ لم ترتق لما تحققَ من تشريعات وقوانين، فهي تصطدم للأسف ببيروقراطية بعض المسؤولين باستمرار ويعاق تنفيذها لتصبح حبر على ورق، لا تغني ولا تسمن من جوع وذلك يرجع لعدم وجود مرجعية.
لقد التزامنا بالنّاحية الشكليّة للاتفاقيّات لحماية حقوق ذوي الإعاقة، ولتصلكم الصورة بوضوح فلنتأمل مجريات الأحداث؛ القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء «على أن يتم تنفيذه خلال 6أشهر»، صدر منذ 16 عام وللآن لم يبصر النور!!! فإذا لم ينفذوا قرار مجلس الوزراء؛ قرارات من ستنفذ؟ عندما يسن نظام ولا يفرض عليه عقوبات صارمة فمن البديهي أنه لن يطبق، المجتمع لن يلتزم إلا إذا كانت هناك غرامات مالية مترتبة على مخالفة الأنظمة، مما صدمني وأنا اعد لمقالي عدم وجود إحصاءات دقيقة عنهم حتى الآن فهل هناك عبارة تصف حجم تهميشهم!! مجتمعاتنا تفتقر للمعلومات عن حقيقة معاناتهم، نحن كمجتمع نحتاج لإعادة تأهيل حيث أننا نتوقف عند القوانين ولا نطبقها؛ صحيح الأنظمة وضعت، لكنها تفتقر لمتابعتها/تنفيذها/رقابتها، القضية مهمة بسبب تشعب هذه الحقوق وتداخلها، فهي قضية خدمات/توظيف/احتياجات/فرص متساوية بالحقوق والواجبات؛ سمعنا عن الدمج لكن أساسيات الدمج غير مهيئه، المنزلقات إن وجدت تكون مرتفعة، الأرصفة مرتفعة مما تجعل عملية قطع الشارع غايةً في الصعوبة، دورات المياه غير مهيئه لهم والمهيئه إن وجدت نجدها بحالة مزرية؛ البيئة العمرانية حتى الآن غير مؤهلة لخدمتهم، سواء في المنشآت الحكومية أو الخاصة؛ سؤال لوزارة البلديات؛ الأرصفة/الطرق السريعة/الأنفاق المخصصة للمشاة لتخدمهم، كم أنجزتم منها لهم؟ توظيفهم قصة أخرى من حيث فتح مجالات التوظيف وفرص التدريب ليتمكنوا من الاندماج، والأمر لا يتوقف على تعينهم فهناك المعيقات التي تواجههُم؛ يحتاجون لتأمين مواصلاتهم للعمل حيث لا يوجد وسائل نقل عامة متوفرة لهم، ويحتاجون لأجهزه تتلاءم واحتياجاتهم ليعملوا من خلالها ويصبحوا اقرب للأسوياء؛ بعض الشركات تخشى توظيفهم بسبب نفقات علاجهم؛ هل فكرت وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية بوضعهم المادي وكيفية تأمين حياة كريمة لهم؟ رواتبهم متدنية؛ فشهادتهم بالغالب متدنية لعدم تجهيز الجامعات لاحتياجاتهم، وينفقون أكثر من نصف الراتب على سيارات خاصة بوضعهم، وثم تأتي وزارة الشؤون الاجتماعية مشكورة لتستقطع الإعانة عند توظيفهم، فكيف لهم أن يأمنوا أدنى متطلبات الحياة بما تبقى من رواتبهم!
الأنظمة مشتتة بين الوزارات؛ منها ما يتبع لوزارة الشؤون القروية والبلديات ومنها يتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية أو للصحة/العمل/النقل/الإسكان/التعليم....الخ، مهام كثيرة ضائعة بين الوزارات بسبب عدم وجود مرجعية مستقلة؛ هم يعيشون في قبلة المسلمين، بلد الحرمين، ومع ذلك نراهم محرومين من معظم بيوت الله بسبب التقصير،هناك قصور واضح من الوزارات؛ تحاول الجمعيات الخيرية تغطيته لكنها جهود فردية قائمة على التبرعات وهذا لا يكفي، حقوقهم بحاجة لجهة واحدة ترعاها، بقاؤهم ضائعون بين الوزارات سيبقيها ضائعة، نحتاج لجمعيات وطنية تتصدى لقضيتهم بشمولية ومنهجية علمية، لها صلاحيات فتكون كمرجعية للتظلم؛ كالكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة، والتأكد من تنفيذ الجهات المعنية للإجراءات، تقديم برامج شاملة؛ كإنشاء مراكز الخدمات العلاجية/التعليمية/التأهيلية, ومساندة أسرهم في التعايش مع الإعاقة، تثقيف المجتمع بمسببات الإعاقة وطرق الوقاية للحد من انتشارها وتفاديها، اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين حياتهم، وحل مشاكلهم، وأتمنى إتاحة الفرصة لذوي الإعاقة انفسهم لمناقشة وضعهم لأنهم أدرى بحال أمورهم.
حقوقهم كثيرة ويصعب حصرها في هذا المقال، وهذه حقوق يجب أن تأخذ بنص ونظام كحق وليس كشفقة، المطلوب هو الاهتمام بحقوقهم واحتياجاتهم ليتغلبوا على المعوقات ويسهموا بتنمية وبناء المجتمع؛ لنتقبلهم كأفراد قادرين على العمل والزواج والأنجاب فليس كل ذي إعاقة عاجزا؛ حتى مع غياب الخدمات والتقصير إلا أننا نجدهم يتحدون ظروفهم ليجدوا مكانا لهم، إنني بمقالي هذا أتطلع لرفع الخدمات المقدمة لهم وفقا للإمكانيات المتوفرة فخادم الحرمين لن يرتضي سوى أن نكون بالصدارة، الدولة تقدم ولكن هناك من يقصر، وبسبب هذا التقصير أصبحوا كالقتيل المهدور دمه، تُرى ماذا يخترع المسؤولون ليستغرقوا كل هذا الوقت لتطبيق الأنظمة؟ أهمس في آذانهم لنحترم إنسانية الإنسان!