تمارا سمير البغدادي
من الطبيعي أن نولي مجال التعليم الكثير من الاهتمام، فالتعليم سيحملنا للمستقبل؛ سيتخرج من الجامعات عام 2034 الأطفال الذين التحقوا بالمدارس هذا العام، أتساءل كيف سيبدو العالم بعد ثمانية عشر عاماً!!.. ومع ذلك فعلينا تعليمهم وتحضيرهم لهذا المستقبل، المنظومات التعليمية في العالم تخضع لنفس التسلسل الهرمي للمواضيع، في القمة الرياضيات واللغات، ثم الإنسانيات وفي القاع الفنون،
ما يثير اهتمامي بمجال التعليم هو كيفية ربط المنظومة التعليمية بالإبداع، أو بمعنى أصح قتل المنظومة التعليمية للإبداع؛ ما يحصل في المدارس هو نماؤنا خارج الإبداع من خلال العملية التعليمية التي تستند على القدرة الأكاديمية، وكنتيجة فالعديد من الموهوبين العباقرة والمبدعين يعتقدون أنهم ليسوا كذلك، فالأمور التي تميزوا بها في المدرسة لم تُقدّر من أساتذتهم أو كانوا يوبخون عليها، نحن نبدد بلا رحمة القدرات الاستثنائية التي يمتلكونها كقدراتهم على الابتكار، فجميعهم لديهم مواهب هائلة «كيف يكون الأطفال في غاية الذكاء والرجال في غاية الغباء, لا بد أن السبب هو التعليم. «ألكسندر دوما».
وفقاً لليونسكو ففي العقدين المقبلين، سيتخرج من الجامعات على مستوى العالم أكثر مما تخرج منذ بداية تاريخ التعليم؛ عندما كنت طالبة علموني - «إذا كان لديك شهادة فستحظين بوظيفة»، الآن يحتاجون للماجستير حين كانت الوظيفة في السابق تتطلب بكالوريوس ودكتوراه للتي كانت تتطلب ماجستير، إنها عملية تضخم أكاديمي، وبالتالي فالنظام التعليمي بأكمله بحاجة لإعادة تفكير جذري لنظرته للذكاء ولمتطلبات العمل والتغيير بالتسلسل الهرمي للمواضيع؛ المشكلة أن برامج التعليم حول العالم تستند على التعليمين المرئي والسمعي وتهمل الحركي مع أنه الأنجع لترسيخ المعلومات وفقاً للدراسات، فلا يوجد طفل غبي ولكن كل له طريقته بالتميُّز «ولد كل طفل عبقرياً.. »- البرت آينشتاين.
إن معظم المعلمين يصفون الأطفال كثيري الحركة بأنهم مثيرون للشغب، وقد يتهمونهم بأنهم غير مستقرين نفسياً أو أسرياً وأنهم بحاجة للعلاج أو تعديل للسلوك نتيجة لفرط حركتهم، هؤلاء عادةً ما يُعاملون بقسوة وقمع ويُوصفون بالغباء وهم بالواقع أقرب للعبقرية، ولديهم مقدرة لاكتساب المعرفة أفضل من البقية، ويصنِّفهم المعلمون بأنهم مرضى «فرط الحركة» ولديهم اضطرابات في القدرة على التحصيل، لأنهم دائمو التململ «داء قصور الانتباه وفرط الحركة» ADHD؛ وهم لا يعانون مرضاً ولا اضطراباً فحركتهم لاكتشاف ما حولهم فيتذكرون الدرس بيسر ويحفظون النصوص عند تحركهم، أما طلاب التعليم المرئي والسمعي، فيراهم المعلمون مجتهدين لتقبلهم ما يُملى عليهم بسلاسة، أغلب المعلمين يفضلون إراحة أنفسهم بدل استثارة طلابهم، فيسقطون تقصيرهم على الأطفال الموهوبين بوصفهم كثيري الحركة والمشاغبة، إن طلاب اكتساب المعرفة بالحركة يحتاجون لبذل مجهود أكبر، فهم بحاجة لمن يستثيرهم ذهنياً من معلم أو مادة معطاة لهم، العديد من النوابغ وصِموا بهذا الداء إلى أن حصلوا على إنسان قدير استطاع تحفيزهم للتحصيل واكتشاف مواهبهم ومن أبرزهم آينشتاين، توماس أديسون، مخترع الهاتف - أليكسندر جراهام بيل، الرئيس - جون كينيدي ومؤسس شركة ميكروسوفت بيل جيتس» والقائمة تطول.
وفقاً للدراسات، فالمشخّصون باضطراب فرط الحركة يظهرون قدرات محدودة ببعض المجالات وقدرات هائلة بمجالات أخرى، قادرون على التفكير خارج الصندوق ومستعدون للمخاطرة وهي عناصر مهمة للنجاح، لكنهم لا يقومون بعمل لا يستمتعون بأدائه فيُوصفون بالكسالى أو الأغبياء، وعندما يتحمسون لأمر ما يقومون به بنشاط وتركيز.
ما يميز الأطفال استعدادهم للمجازفة فلا يخافون من الخطأ؛ بالطبع الخطأ يختلف عن الإبداع ولكننا لن ننتج شيئاً مبتكراً أبداً إن لم نكن مستعدين للمجازفة، للأسف تُدار الشركات والمؤسسات بمبدأ أنَ اقتراف الموظف للأخطاء «كارثة» وتدار المنظومة التعليمية بنفس المبدأ، فيفقد معظم الأطفال هذه القدرة بحلول فترة البلوغ ويصبحون خائفين من أن يُخطئوا، وتنديدنا بالأخطاء ينتج عنه إخراجهم من قدراتهم الإبداعية، علينا إعادة التفكير بمبادئ التعليم الأساسية، واستخدام هبة الخيال البشري بحكمة، من خلال تنبهنا لإثراء قدراتهم الإبداعية والأمل الذي يمثلونه ومهمتنا تعليمهم ليتمكنوا من مواجهة المستقبل، قد لا نرى نحن هذا المستقبل، ولكنهم سوف يرونه ومهمتنا هي تحضيرهم له ليس بوصفهم طلاباً أغبياء بل مبدعين موهوبين.