تمارا سمير البغدادي
تتعرض لقرصة بعوضة ثم تبدأ الأعراض بصداع، حمى خفيفة، آلام في العضلات والمفاصل، إذا كنت تعتقد أنها حالة «زيكا» بسبب تركيز وسائل الإعلام على هذا الفيروس مؤخراً، فسأطلب منك عزيزي القارئ المحاولة مرة أخرى، فقد تكون مخطئاً؛ ربما هي أعراض إنفلونزا تزامنت مع قرصة البعوضة لك أو قد تكون حمى الضنك؛ وهو مرض ينقل بواسطة البعوض وعدد الوفيات منه أضعاف
مضاعفة بمراحل للوفيات من فيروس زيكا خلال العقود الستة التي عرفناه فيها، فوفيات «الزيكا» نادرة وأعراضه لا تظهر إلا على واحد من كل أربعة مصابين؛ تعداد الوفيات بالأنفلونزا الموسمية عال أيضاً، لكن هذا العام تصدرت زيكا عناوين كل الصحف وأثارت جدلاً واسعاً!!! من الواضح أن هناك أمراً يتعلق بهذا المرض يخيفنا أكثر من أي مرض آخر، ربما هو الخوف من إصابة الحوامل به وتأثيره على الجنين؛ تشوه في الأجنة ينتج عنه انكماش عقول المواليد، فيولدون برؤوس صغيرة، مفلطحة ومضغوطة ومشوهة، للتنويه لا يوجد حتى الآن ما يؤكد نظرية ارتباط الفايروس بالمايكروسيفالي أو بمتلازمة «جيلان باريه»، أتساءل لم كل هذا الخوف؟ أعتقد أننا نخشاه من منطلق أننا لا نملك أي علاج أو تطعيم له حالياً، لا لأنه يسبب الوفاة مثلما تفعل أمراضٌ أخرى ففيروس زيكا أقل عدوى من فيروسات الرشح أو الحصبة.
اكُتشف المرض لأول مرة في غابات زيكا بأوغندا عام 1947، وانتقل للبشر عام 1952 بأوغندا وتنزانيا، بدأ تفشي المرض في 2007 وبلغ 32 دولة حتى الآن، تم تحديد قدراته، وكان لديهم فرصة كافية لدراسته خلال سنوات تفشيه، وهم يملكون تطعيماً مرشحاً ومتاحاً بحسب ما قاله مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنطوني فوشي، فلماذا تأخر اللقاح ليذهب للتجارب السريرية؟ المشكلة الرئيسية بشأن تطوير اللقاحات للأمراض المعدية تكمن بأن الأكثر عرضةً للإصابة بهذه الأمراض هم أيضاً الأقل قابلية لدفع ثمن اللقاحات، وهذا يؤثر على الخطة التسويقية للمُصنعين لأجل تطوير اللقاحات, فهم بحاجة لأعداد كبيرة من البشر المعرضين للإصابة بشرط أن يكونوا هؤلاء قانطين في دول ثرية، فبدون عدد كبير ستكون المخاطرة التجارية كبيرة وبدون أي عائد مادي مجزٍ؛ لم يتم تطوير لقاح زيكا بشكل كامل بهذه المرحلة بسبب الخطر المالي المترتب على تطويره، والمحزن أن تطوير اللقاحات ليس مبنياً على احتياجات البشر, وإنما على العائد المالي لتطوير اللقاحات، فهي عملية مكلفة ومعقدة، وتصل تكلفتها لمئات ملايين الدولارات؛ بالنسبة «لزيكا» فإنه لم يكن للقاحات سوق إطلاقاً, والسبب الوحيد الذي دفعهم لامتلاك اللقاح في مرحلة متأخرة من التجارب السريرية, هو بسبب خوفٍ مُضَلل إلى حدٍ ما؛ «فزيكا» تم تجاهله نسبياً حتى بدأ ينتشر بالولايات المتحدة الأمريكية.
ولإزالة المعوقات في سبيل حصولنا على اللقاح لأمراض مثل زيكا؛ علينا بالبداية تحديد إذا كان هناك إمكانيات في السوق لتأمين اللقاح، فإذا كان هذا الأمر غير متاح وأردنا اللقاحات؛ فعلينا تأمين المعونات؛ وتحديد الأمراض الأكثر تهديداً لنا، وإيجاد إمكانيات داخل الدولة في القطاعين الحكومي والخاص، ومن ثم إنشاء شبكات وبائية ومختبرية لتجميع وفرز مسببات الأمراض؛ وتوظيف البيانات الصادرة عنها لفهم التنوعات الجينية والجغرافية, التي ستساعدنا على فهم التغيُرات المناعية وردات الفعل المتطلبة؛ وبناء عليه فعلينا تغيير نظرتنا للأمراض المعدية، فلا ننتظر حتى يتحول المرض لوباء عالمي يهددنا لنتحرك؛ بالنسبة لزيكا, فالخوف من العدوى المرضيَّة, بسبب انتقال المرض لعدد من الدول الغنية, قاد المجتمع الدولي للاجتماع والتحرك, وأغرى شركات صناعة اللقاحات للعمل لإيجاد اللقاح ولو لم تحصل تلك الإصابات بهذه الدول لبقي الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء, إنهم يُنفقون مليارات الدولارات سنوياً، فميزانية البنتاغون الرسمية «568 مليار دولار لعام 2015»، بمعنى أن ما يقرب دولار من أصل أربعة دولارات من الموازنة الاتحادية تنفق لأهداف عسكرية؛ فهل تعتقدون حقاً أنهم يهتمون لأمرنا في حين يخصصون هذه المبالغ لنفقاتهم العسكرية أتساءل لما كل هذه النفقات وما يبيتون لنا؟؟ يُنفقون المليارات للإبقاء على أسطول غواصات نووية يقوم بدوريات دائمة في المحيطات, لحمايتهم من تهديدٍ بات معظمنا مقتنعاً بأنه لن يحدث أبداً، ولكنهم ليسوا على استعداد لإنفاق شيئاً يُذكر لمنع شيء ملموسٍ كالأوبئة المُعدية إلا عند وصولها إليهم.
السؤال الذي يطرح نفسه «إلى متى» سنبقى تحت رحمتهم؟ ألا يكفينا ما يرسلوه لنا من لقاحات غير صالحة للاستهلاك كما حصل في المغرب عام 2013، أو منتهية الصلاحية كما حصل بمصر والجزائر عام2012؟ هل نسينا الجدل الذي حصل عام 2009حول مادة ثيميروسال «التي تحتوي على الزئبق» المضافة كمادة حافظة للقاحات! ماذا عن لقاحات شلل الأطفال OPV التي استبدلتها أوروبا وأمريكا بلقاحات IPV بسبب خطورتها عام 2000 ولكنهم استمروا بتصديرها لدول العالم الثالث؟ «إلى متى» سنبقى ننتظر الفتات منهم؟ إذا ما أردنا القضاء على الأوبئة مثل الزيكا, فإنه يتوجب علينا الاستثمار في قطاع تطوير اللقاحات، لا أن ننتظرهم ليقوموا بذلك بدلاً عنا فهم لا يهتمون سوى بمصالحهم؛ لا أعتقد أنه سيهمهم أمرنا يوماً ما، ولا أننا ينقصنا العقول البشرية، فنحن نصدر العقول البشرية إليهم ونقدمها لهم على طبق من ذهب؛ نحن بحاجة لقطاع تطوير اللقاحات كدرع واق ليس إلا، ولندعو الله أن لا نضطر لاستعماله في يوم من الأيام.