هاني سالم مسهور
قبيل أن تبدأ الهدنة السورية حذّر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من مخاطر التقسيم في حال طالت مدة الحرب، وفيما قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أن موسكو تؤيد ما يتوصل إليه المشاركون في المفاوضات السورية بما في ذلك فكرة إنشاء دولة «فدرالية»، تحول لا يمكن المرور عنه.
منذ فشل مؤتمر جنيف 3 في يناير 2016م وجدت القوى الدولية نفسها أمام استحقاق سياسي يعتبر الأهم خلال خمسة أعوام مضت على الحرب الأهلية السورية، فالقرار السعودي بالتدخل البري لمحاربة «داعش» داخل منظومة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية معالجة الوضع السوري، لذلك لم تجد القوى الدولية مفراً من الدخول في هدنة مدتها أسبوعان برعاية الأمم المتحدة وبإشراف المبعوث الأممي ديمستورا.
كان التساؤل المتداول منذ طرحت الهدنة كفكرة قابلة للتنفيذ عن (ما البديل؟)، وكان على أطراف النزاع التي غيرت من توازن القوى على الأرض أن تتوصل أولاً إلى نقطة الهدنة ثم تحاول فتح الطرق الممكنة أمام الدبلوماسية مع دعم الهدنة باستمرار من أجل الصمود والنجاح، وإذا كانت الولايات المتحدة قد طرحت قبل أسبوعين من وقف إطلاق النار في 27 فبراير 2016م حديثاً عن التقسيم في سورية، فإن تبعات ذلك الحديث الذي كان مستحيلاً بات أكثر تداولاً تحت غطاء (الخطة ب).
ففي حال عدم التزام روسيا باتفاق وقف إطلاق النار، أو تعمد نظام بشار الأسد خرقها، فلن يبقى أمام القوى الدولية سوى إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا، وهذا يتطلب مشاركة مباشرة من تركيا ودول عربية واسلامية تحت غطاء من حلف الناتو، وهذه المنطقة الآمنة مهمتها حل مشكلة اللاجئين وتخفيف العبء على عاتق الدول المجاورة، وتوفير المساعدة للمدنين السوريين، ولكن مع المنطقة الآمنة لا تتوفر فرصة حقيقية للسلام في سوريا بعد، وهذا ما يدفع القوى السياسية الدولية وتحديداً السعودية وروسيا والولايات الأمريكية للتعامل مع الخيارات الأخيرة عبر «الفيدرالية».
ندرك أن مصلحة روسيا استمرار وقف إطلاق النار، وندرك أن من مصلحة نظام الأسد خرق الهدنة ولو بطريقة غير مباشرة لإطالة مدة الصراع المسلح، حيث إنه هو الضامن لاستمرار هذا النظام، ويبرز في هذا السياق التذكير بأن واشنطن منعت جميع حلفائها من تقديم كل أنواع الأسلحة الفاعلة للمعرضة السورية، وفيما يبدو من كل هذه التراكمات أن الولايات الأمريكية كانت تدرك أن الدفع إلى الهدنة سيحدد هذا التوازن لقوى الصراع على الأرض السورية مما يمهد للانتقال للخطة ب.
من الواضح أن النظام السوري مدعوماً من روسيا بات يسيطر على غرب سوريا مع تأرجح إمكانية فرض السيطرة الكاملة على مدينة حلب وريفها، لذلك يمكن إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري الذي يتواجد فيه الأكراد، مما سيتوجب فيه على التحالف الدولي القيام بعملية عسكرية في شرق سوريا لمحاربة المتطرفين.
تتواءم هذه الفكرة تماماً مع التفاهم الأمريكي الروسي حول أنه بمجرد ضمان غرب سوريا تحت السيطرة الروسية، ستتحرك الولايات المتحدة الأمريكية لاقتلاع «داعش» بمشاركة كل من الناتو والقوة الإسلامية، وبهذا التوافق يمكن تخليص الأرض السورية من التنظيمات الإرهابية التي استوطنتها بعد أن انتهزت فرصة الفوضى منذ 2011م، وبذلك يكون التقسيم الفيدرالي محافظاً على وحدة التراب السوري، ومخرجاً وحيداً لرئيس النظام السوري من خلال انتخابات رئاسية عبر الانتقال السياسي وفقاً للمعادلة السياسية القائمة على التفاهمات بين موسكو وواشنطن.