فوزية الجار الله
لاشك أنّ هذه الشعيرة هي الركن السادس في الإسلام، والواجب عند الأمم المتقدمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }، حيث ربط الله تعالى الخيرية بالقيام بها، وقد لعن الله سبحانه الأمم التي لا تنهض بها وتصبح ذليلة ساقطة لأنّ الناس {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
وقد ظهر الإشكال منذ أن تم إسناد مهام الأمر بالمعروف لجهاز حكومي خاص يقوم بها بعض من المحتسبين ذوو مظهر معيّن متجهمون ومتسلّطون على الناس، وزجرهم على تصرفاتهم الشخصية وبالتحديد على المرأة (لبسها وشكلها وغطاء وجهها)، أو تطويل الشعر للشباب أو ارتدائهم ملابس غير لائقة، أو رفع صوت الأغاني! أو أمرهم بالصلاة وإغلاق المحلات. ولعل أقرب مثال لذلك ظهور صورة فتاة في دعاية لبنك ربوي، حيث قام جهاز الهيئة بطمس صورة الفتاة وترك الإعلان الربوي قائماً، برغم أنّ كشف الوجه أمر خلافي بينما الربا محرم شرعاً!
لذا فالمشكلة بحصر المفهوم واقتصاره على أمور محددة برغم اتساع المصطلح، ليشمل كل نواحي الحياة كالبيع والشراء والغش والتستر التجاري وقطع إشارة المرور، والتفحيط ومتابعة النظافة والتسبب بالأذى للبهائم، ومحاربة الفساد وسرقة المال العام، ومؤازرة المظلومين والتصدي للأخطاء الطبية، حتى لو كان هناك أجهزة متخصصة تقوم بذلك، بينما حصر اختصاص الهيئة حالياً بجزيئة الأخلاق ينقلها من هذا المفهوم لتكون (شرطة آداب) تابعة للشرطة العامة فحسب!
ولعل الكثير يجهل وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دول أجنبية، والتي تتمثل في البرلمانات التي تحاسب المقصرين، والنقابات التي تدافع عن حقوق منسوبيها والجمعيات والمنظمات الحقوقية، وتكافل المجتمع ضد المنكر.
وبرأيي أنّ (تويتر) أصبح حالياً يقوم بهذا الدور بكفاءة واقتدار من خلال تشكيل ضغط شعبي تجاه أي مخالفة اجتماعية أو شرعية أو سلوكية، كالصيد الجائر للضبان أو تعذيب حيوان أو رفع سلعة استهلاكية، مما جعل المسؤولين يتفاعلون ويتخذون الإجراء المناسب.
إنّ من الظلم للإسلام تسطيح شعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وتقليصها وحصرها على أمر محدد وتشويهها وتكريه الناس بالاحتساب كما لو كان قمعاً وتضييقاً على حريتهم. وما أدعو له إعطاء مساحة أكبر وأوسع للأمر بالمعروف في البيت والمدرسة والمستشفى والشارع والحي والوطن بجميع أطرافه، وتربية أبنائنا على التبليغ الفوري لكل جهة مختصة عن كل ما يسيء للناس والممتلكات ليحبوا هذه الشعيرة وينضموا كلهم تحت لوائها.