فوزية الجار الله
لو لم أكن مؤمنة بالله ومن ثم بهذا الكون بكل ما فيه من أحزان ومسرات بكل ما فيه من عوالم وردية ملونة وأخرى متصحرة لقلت بأني أرتجف هلعاً ورعباً كلما تأملت وتذكرت.. كلما استعدت بذاكرتي بأنه قد مضى على حرب السادس من أكتوبر (العاشر من رمضان)، الحرب العربية الاسرائيلية حوالي 42 عاماً، وأنه قد مضى على حرب الخليج 24 عاماً حسب السنة الميلادية، وأنه قد مضى على وفاة كوكب الشرق أم كلثوم حوالي واحداً أربعون عاماً تكتمل في هذا الشهر الميلادي وأنها كانت طفلة جميلة ومراهقة مميزة بصوتها العذب، وأنه قد مضى على مغادرة الرئيس جمال عبدالناصر لعالمنا حوالي 46 عاماً، وان وفاة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله قد مضى عليها حوالي أربعون عاماً، وهو ذلك القائد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وقد عاش حياة حافلة بزخم سياسي متفرد وفي مرحلة مميزة، وأن هناك من هو أفضل وأعظم من كل من ذكرت، هناك سيد البشر محمد صلاة الله وسلامه عليه، قد مضى على وفاته 1400 قرن وأن هذا الرقم يحوي لحظات زمنية لا تحصى ولا تعد وأياماً من الصعب حصرها أو الحديث عنها على عجالة، تلك الأيام كانت مليئة وفياضة بضجيج هذا العالم وتغيراته وتحولاته، لكنك في لحظة تجد نفسك قد ذهبت بعيداً، نسيت الورد وتذكرت الشوك تذكرت الأسى والألم ونسيت شلالات الفرح وأنهار السعادة.
تحاول الهرب منها إنها تلك السنين التي قضيتها في هذه الدنيا منذ ميلادك حتى الآن والذي تم الاتفاق على تسميته العمر فماذا يعني أن تكبر؟
وهو سؤال طرحته الكاتبة الجميلة ليلى الجهني عبر كتابها (40 في معنى أن أكبر).. كم كنا نشعر بسعادة ونحن صغار حين نرى من هو أكبر عمراً منا فنشعر بأننا قد نجونا، لكن حين كبرنا أكثر اكتشفنا بأن ذلك لم يكن إلا وهماً عجيباً أسعدنا به أنفسنا بوعي أو دونما وعي، لكن تبقى الحقيقة المائلة أمامنا، أننا نكبر.. لامفر من الهرب من تلك السنين الكونية التي أوجدها رب هذا العالم ومالكه.
لابد لنا من التسليم بهذه الحقائق واحتوائها والتصالح معها، إما الموت وإما الحياة لاخيار ثالث بينهما.
ثمة موت حقيقي ذلكم هو الأجل الذي فرضه الله في لحظة معينة لكل كائن حي سواء كانوا بشراً أو ماعدا ذلك.
لكن ثمة حقيقة أخرى تقول بأن الله قد وهبنا الكثير وميزنا ببعض الميزات إذاً لابد من التفكير إيجابياً بذلك المعنى الأعمق، باحتواء اللحظات بكل ماهو جميل من خلال العطاء للآخرين تبدأ بالأقرب ثم الأبعد ليشمل دوائر أخرى كلما اتسعت هذه الدائرة كان هذا الإنسان أكثر توهجاً وإحساساً بالتفوق والقرب من رحاب الله وبالتالي الوصول إلى المعنى الأجمل لهذا الزمن الذي طالما هربنا منه، هاهو الآن في قلوبنا نبض حب وأمل ورغبة في الانتماء إلى عقارب الساعة بمعانيها الأكثر إيجابية وسمواً.