محمد عبد الرزاق القشعمي
لفت نظري خبر نشرته جريدة (القصيم) في عددها 107 الصادر بتاريخ 3-8-1381هـ يقول: «طلب معالي وزير المواصلات الشيخ عبدالله السعد من مجلس الوزراء صرف مبلغ عشرة آلاف ريال 10.000 لعبدالله ابن طامي المهندس السعودي المخترع، مكافأة له على اختراعه الإذاعة.
ولا شك أن هذه بادرة طيبة يشكر عليها معالي الوزير في تشجيعه لهذا الشاب الطموح الذي نأمل أن تتضاعف جهوده في سبيل رفع سمعة هذه البلاد في الصناعة».
فحرصت على الاستزادة بمعرفة هذا الرجل.. وتتبعت قدر المستطاع ما ينشر عنه، خصوصاً وقد كثر الكلام عنه بين مادح وقادح فوجدت شيخ الصحافة المكية الأستاذ أحمد السباعي ينشر في مجلته (قريش) في عددها 120 الصادر بتاريخ 15-10-1381هـ في صفحة أدب وفن.. «وجد أهالي الرياض في إذاعة (طامي) ما يعزيهم عن إذاعتهم الرسمية.. نتمنى أن ينجز المشروع الكبير الذي تستعد له الإذاعة.. حتى يصل صوت السعودية إلى السعودية».
حرصت على مقابلة طامي مع بداية تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة في مكتبة الملك فهد الوطنية.. فتيسر ذلك مع بداية عام 1419هـ قبيل وفاته – رحمه الله – بسنتين ولم يكتف بما تم تسجيله من حديث شيق عن مسيرته في هذه الحياة رغم ما يعانيه من مشاكل صحية.. فقد احضر معه ترجمة مختصرة لحياته جاء فيها:
انه من مواليد بريدة بالقصيم -عام 1346هـ وقيل 1341هـ وقيل 1343هـ-، وبعد ختمه القرآن في العاشرة من عمره قام بتدريس غيره بعض الوقت، سافر بعدها إلى الأردن والشام فالتحق كجندي بالجيش الإنجليزي بعمان ثم بالجيش الفرنسي بدمشق فأتقن العلوم السلكية واللاسلكية والإلكترونيات والأسلحة والمتفجرات فحصل على رتبة ضابط (يوتان). وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أقيم احتفال كبير في دمشق حضره الأميرين فيصل ومنصور أبناء الملك عبدالعزيز فاطلعا على أوراقه وشهاداته والنياشين فدعاه الأمير منصور - وزير الدفاع وقتها في المملكة – وكلف القنصل السعودي بالشام رشيد بن ليلى بمساعدته على إنهاء إجراءات إنهاء خدمته بالجيش الفرنسي، وتأخر تسليمه روايته المتأخرة مما اضطره للعمل في في الأعمال الحرة -الديكور والزخارف- لعشر سنوات أخرى..
عاد إلى المملكة وهي في بداية نهضتها، فبعد زيارته لوالدته بمسقط رأسه سمحت له بالذهاب إلى الرياض للبحث عن عمل، وبحكم خبرته (الإلكترونية) أراد أن يفتح ورشة لإصلاح (الراديو) فوجد صعوبة لتشدد المطاوعة، فهداه تفكيره لصناعة كرسي متحرك مجهز بالصوت والتلفون والتسجيل والراديو فقدمه هدية للملك عبدالعزيز -رحمه الله- فأعجب به وكافأ بألفي ريال فرنسي.
وتعرف على الأمير أحمد بن عبدالرحمن الذي أصبح يزوره ويسمع من عنده أخبار العالم بالراديو فيبلغها بدوره للملك عبدالعزيز.. وعند قرب موسم الحج اصطحب إلى مكة المكرمة حيث فتح أول ورشة لإصلاح الراديو والتسجيل بالمملكة عام 1371هـ.
عاد بعد عشر سنوات للرياض وإذ الراديو قد انتشر بين المواطنين مقرر تصنيع إذاعة محلية لإذاعة الأخبار والبرامج المسلية والأغاني الشعبية، وبعد أن أجرى التجارب اللازمة وبدأ البث استأذن من وزير المواصلات الذي رفعه بدوره لمجلس الوزراء فصدرت الموافقة الملكية بالترخيص والحماية والتشجيع بمبلغ عشرة آلاف ريال، فبدأ الإرسال بكلمة وعظ وإرشاد وتوجيه للشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله -، فبدأ المواطنون يستمعون للإذاعة وقت بثها ولقيت ترحيباً فوق المتوقع مما جعل بعض مهندسي اللاسلكي في الوزارة يغارون منه ويطلبون الترخيص لهم فافتحوا إذاعة سموها (الإذاعة الهندسية بالرياض).. والتي لم تستمر -إذ قدم الملك سعود من العلاج في الخارج فسمع إذاعة (طامي) فاعجب بها وطرافة برامجها فبعث له بسيارة وخمسة آلاف ريال فتشجع لتطوير وتوسيع الإرسال، فاستأجر شقة في أعلا عمارة بالرياض (عمارة محمد بن سعود) بشارع الوزير وخلال أسبوع أضاف لإذاعته مرسلتين إضافيتين فأصبحت تسمع في الدول المجاورة من الخليج إلى مصر والسودان والشام والعراق واليمن. وسماها (إذاعة طامي الوطنية بالرياض) واعتبر ما سبق بثاً تجريبياً، وقد افتتح الإرسال بقوله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم أطيب تحية وأحيي هذا اللقاء مرة ثانية فبالروح الوطنية أرجو التكرم بما تسمعوه وتعلموه من هذا الصوت من حيث القوة والوضوح والزمن والمسافة عن الرياض، وإني أعلم إرسالي متشعب إلى ما وراء البحار ولكني بحاجة إلى شهادتكم برسائلكم فكلنا خدم لهذا البلد الطاهر بمقدساته وحكومته الوطنية.. إلخ».
فاستمر الإرسال التجريبي الثاني لمدة شهر بدون انقطاع فجاءته التقارير والرسائل من كافة البلدان العربية وإيران فجمع الرسائل والتقارير وقدمها لوزير الداخلية - الأمير فيصل بن تركي وقتها – فشجعه وشكره.
فاستمرت الإذاعة لمدة 28 شهراً.. وبعد أن أنهت وزارة الإعلام التجارب على الإذاعة الرسمية وقرب افتتاحها رسمياً ذهب إلى سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز -أمير الرياض- الذي حياه وشد على يده وقال الآن انتهى دورك فقد انتهت الإذاعة الرسمية فلتكن عوناً لها، فأعطاه خطا بين واحد فيه الشكر والمكافأة المالية والثاني لوزير الإعلام الشيخ جميل الحجيلان لتعيينه بالوزارة. فاختلفوا -إذ لا يحمل مؤهلاً علمياً- على المرتبة التي يستحقها فانتهى الأمر بشراء أجهزته الإذاعية البسيطة بخمسين ألف ريال، فتفرغ لعمل بعض المبتكرات والاختراعات السمعية والبصرية ومنصات على شكل أبراج تدور كدعاية يوضع بها التحف والهدايا..
ولهذا نجد الشيخ علي الطنطاوي يقول انه عند ما قدم للرياض عام 1383هـ متعاقداً للتدريس بكلية الشريعة يقول: «كنت يوماً في الرياض أدير مفتاح الراديو فسمعت إذاعة غريبة ليست من جدة ولا من مصر، لم أكن أسمع في الرياض يومئذ غيرها، إلا إذاعة بغداد اسمعها أحياناً فوجدت هذه الإذاعة الغريبة تذكر أشياء عن المملكة وعن الرياض بالذات فأصغيت انتظر أن أسمع في آخرها اسم البلد الذي يخرج منه الصوت فإذا هو من الرياض وإذا هو يذكر اسم (طامي) فسألت زملائي وما طامي هذا؟ تطوع حينها أحدهم فأتى به فعرفني به وإذا هو شاب سعودي.. ».
قال في برنامج (نور وهداية) عام 1407هـ من الإذاعة مشيداً بطامي بقوله: «إن طامي ظاهرة النبوغ والعبقرية.. فهذا المخترع السعودي الواعد الصغير الشاب؟ هذا هو النبوغ؟ أليست هي العبقرية؟ هل كانت بداية (أديسون) أكثر علماً وأوسع إطلاعاً على علوم الطبيعة؟ هذا الطامي الذي لم أعد اسمع اسمه؟» جريدة الرياض 1-3-1432هـ صلاح الزامل.
هذا وقد أجرت معه جريدة الجزيرة مقابلة صحفية بتاريخ 11-2-1399هـ قال فيه: «الترانزفولت اختراع سعودي.. قبل الترانزستور.. لكنه ينسب لغيرنا.. بعد أن وصل إلى شركة أجنبية!.. مشاركتي بحرب (67) كانت باختراع شهبا مضيئة حارقة.. » وتحدث عن مختراعاته وعدد أهمها: راد فون طامي العجيب. وإذاعة طامي الوطنية، ومشروع تليفزيون طامي، والعاكس الأرضي للمدى البعيد، وإذاعة الحج للمطوفين، ومكبرات صوت باللاسلكي، وقذائف الكشافات والشهب، وتخزين الطاقة الحرارية، وجهاز التكييف الجديد، ومصنع الغرف الجاهزة.
وقال انه كان يخاطب المستمعين بلغة شعبية أقرب ما تكون إلى اللغة الدارجة على ألسنتهم.. وكنت أشاركهم همولهم.. وأفراحهم، وأذيع بعض الإعلانات لفقدان الأغنام والأبقار والأطفال بدون مقابل، وأقدم الهدايا لمن يعثرون على هذه المفقودات، وكانت الهدية أغنية حسب رغبته تذاع فوراً.
قيل عنه الكثير من الطرائف والتي لم ينكر بعضها من أن إحداهن رزقت بابنة سمتها إذاعة، وأنه كان يقرأ أسماء الراسبين في الشهادات النهائية بدعوى أن أسماء الناجحين تنشر في جريدتي البلاد والندوة -الجريدتين اليوميتين وقتها بالمملكة-.. وانه قد حمل على التجار بسبب رفعهم أسعار المواد الغذائية وهددهم وقال في نهاية حديثه عنهم. ولكن سنتركهم للزمن ليقتص منهم.. وإليكم أغنية أم كلثوم (حسيبك للزمن).
وقال الشاعر الشعبي سليمان بن حاذور عن إذاعته:
ياليت طامي ما فتح له إذاعة
ولا شغف بعض المخاليق بغناه
غطى على صوت العرب استماعه
كل يدور موجته لين يلقاه
ونجد الدكتور عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- يذكر في كتابه (وسم على أديم الزمن.. لمحات من الذكريات) الجزء الخامس عشر فقد ذكر ضمن سرده التاريخي الجميل لفترة عمله بجامعة الملك سعود، وعن حفل كلية التجارة الذي أقامته يوم الخميس 3 ذي الحجة 1382هـ وذكر بعض من حضر الحفل من أصدقائه: ناصر المنقور ومحمد أبا الخيل وعبدالوهاب عبدالواسع وعبدالله الوهيبي وقال: «.. وقام طامي بعمل مجيد في تلك الليلة، فقد قام بنقل الحفل على الهواء في إذاعته المشهورة، إذ كان أحد الهواة وقد أفاد فائدة كبرى في إعطاء الفرصة لبعض الفنانين المقبلين، وقد شكرته في تلك الليلة على ما قام به، وعلى مساعدته في بث الحفل على الهواء. ويظن بعض الإخوان ممن هم في الصف الأول أنني غاليت في مدحه، فوجهوا إلي بعض النقد والتبكيت على ذلك وأصبح هذا مجال للتعليق بيننا في سهرتنا تلك الليلة.. وادعى من ادعى أني لم أجد شيئاً أقوله عن الحفل فكان طامي ملهماً..» ص313، 314.
قال عنه راصد الإعلام ومؤرخه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي: «اسم طامي هو لقب الشهرة، واسمه الحقيقي هو عبدالله بن سليمان العويِّد..
حصل على مرسلة لاسلكية قديمة (من لاسلكي الرياض) فحولها -بمساعدة المهندس الشريف مهنا بن عطية الله- إلى مرسلة إذاعية يمارس عليها هوايته، مستفيداً من الفراغ الإذاعي الذي كانت تعيشه بعض مناطق المملكة، نتيجة انزواء البث الإذاعي في غرب المملكة، بالرغم من عدة تحسينات أدخلت على الإرسال (...) ومن هنا جاءت محاولات طامي، بالرغم من بدائيتها وسطحيتها، انتقاداً ضمنياً لوضع الإذاعة، وضعف برامجها وإرسالها، الذي لم يكن يصل إلى العاصمة السياسية (الرياض)، فضلاً عن وصوله إلى الأطراف الشرقية والشمالية والجنوبية، مما جعل تلك المناطق مسرحاً للإذاعات المجاورة لها».
ويحسن بنا قبل ختام هذا الموضوع أن نذكر بإيجاز أهم ابتكاراته، كما نشرتها جريدة الرياض وهي تنعيه في عددها 11768 الصادر يوم الثلاثاء 14-6-1421هـ/ 12-9-2000م.
أهم ابتكارات العويد:
صنع مجلسا صحراويا بشكل كنب بحركة تطبيق للملك عبدالعزيز رحمه الله وشد على يدي بمبلغ ألفي ريال فرنسي بواسطة السكرتير أمين عبدالعزيز وعبدالرحمن السويدان وقال هذا تشجيع للصناعة الوطنية في 1369هـ.
فتح أول ورشة بالمملكة للراديو والتسجيل في مكة المكرمة في سوق المعلاء عشر سنوات 1370هـ.
صنع جهاز رادفون طامي العجيب سنترالا داخليا على الراديو اسمع واتكلم ومكبر صوت وإذاعة داخلية 1380هـ.
صنع إذاعة محلية باسم الإذاعة الوطنية بالرياض وسمعتها البلاد السعودية والعربية ثلاث سنين 1381هـ.
عرض التلفزيون بالصورة الحية لأول مرة بالرياض تمهيداً لمشروع التلفزيون الرسمي 1384هـ.
صنع العاكس الأرضي للمدى البعيد هدية لمكة المكرمة حتى جاءت محطة التقوية للتلفزيون 1387هـ.
صنع جهاز مكبر صوت باللاسلكي لمناورات الجيش السعودي وللحاج بمطار جدة 1387هـ.
حول مروحة السقف إلى جهاز تكييف هواء وتبريد ماء ومرطبات وتحصل على سبعة تقارير رسمية فنية 1392هـ.
كان الملك المفدى خادم الحرمين الشريفين بخطاباته السابقة يحث المسؤولين على نشر وإعلان مشروعات خطط التنمية ويقول حتى يسعد المواطن بما يعمله من مشروعات فصنع جهاز الإعلام السعودي لجميع الأخبار للمراسلين والوفود 1397هـ.
بعدما انتقل المواطنون إلى فلل عصرية لم يجدوا غرفا كافية وتعذر عليهم البناء فابتكر لهم غرفا جاهزة ملاحق تنقل مجزأة أرضها مفتوحة للأسطح والارتداد وكل مكان وحتى الآن عند الطلب 1398هـ.
وأخيراً صنعت منارة طامي لذكر الله وهي لوحات كبيرة مجسمة بارتفاع خمسة أمتار تدور على الهوى الطبيعي والصناعي بأربع واجهات مجموع الأربع 20 متراً مسطحاً للصالات الداخلية والحدائق الخاصة والميادين ولها غرفة تشغيل لتوزيع الصوت والصورة وتشغيل اللوحة أما الأجهزة الإلكترونية السلكية واللاسلكية فبعد ظهور الترانزستور لمبات بلا فتيلة وصغر الحجم بشكل خيالي تركتها للشباب يتفننون بها مع حاسب الكمبيوتر مهنة العصر ولم نحصل على شيء الدنيا لعدم وجود لغة لأنها لا تهمني وأصنع مثلهم وكذلك الشهادة لأن بعضها لا يمثل الواقع الملموس العملي فصارت اللغة والشهادات حجر عثرة في الاختراع ولكني اعتبر الخسارة والفشل في الدنيا مكسباً لأنها عمل وكفاح وفشل أو نجاح بأجره عند الله أما الخسارة بالدين فهو الشقاء والندم أخيراً.. تحياتي ودعائي المخلص للعاملين للوطن بكل اختصاصاته وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.