د. فهد صالح عبدالله السلطان
قليل هم أولئك الذين يختلفون على أن حب الوطن فطرة وغريزة واصل في الدين والشريعة. حب الوطن ليس شعاراً سياسياً ولا طمعاً اقتصادياً ولا طرحاً استهلاكياً ولا بياناً إعلامياً.
حب الوطن إيمان وقناعة وعمل وفعل، حب الوطن معاداة لمن عاداه وموالاة لمن والاه. حب الوطن إخلاص لله ولرسوله ثم له. حب الوطن أمانة فيما تولى الإنسان من أمره ونزاهة فيما تولاه من شأنه. حب الوطن نزاهة وأمانة في العمل وكره للفساد والغش وبعد عن خداع أهله والمقيمين فيه.. حب الوطن إخلاص في تحقيق أهدافه وحرص على أمنه وأمانه ومحافظة على ممتلكاته. حب الوطن تنفيذ لأنظمته وامتثال لقوانينه.
من يخون الوطن فقد خان نفسه وذريته وأهل بيته، ومن غش الوطن فقد غش نفسه ومجتمعه. ومن يرتضي الفساد في العمل العام فقد يرتضيه في ماله الخاص وفي بيته. من سرق من الوطن فقد سرق أهله وذريته، ومن والى أعداء الوطن فقد والى أعداء أهله وعشيرته.
كلنا نؤمن بذلك ولكننا نختلف في فهم كنهته ومعناه وفي تجسيده وممارسته ومبتغاه.. هذه بعض من معاني حب الوطن الذي جبلت على حبه نفوس المؤمنين المخلصين.
قد يقول قائل الكل يعرف هذه المعاني والقيم الوطنية ومن ثم فما الذي يدعو لذكرها! وأقول نعم هذه حقيقة ولكن طرحها هنا جاء انعاكساً للمتغيرات والمستجدات الإعلامية والثقافية والتقنية وللتطورات السياسية في المنطقة. والتي تدعو لمراجعة مفهومنا عن الوطنية وآلية تحقيقها على مستوى الفرد والمجتمع.
الأمر في تقديري يتطلب مراجعة الخطاب الديني والثقافي والإعلامي والتربوي في ضوء المعاني السامية للوطنية وفي ضوء متغيرات العصر ومستجداته. نعم نحن بحاجة إلى تأصيل حب الوطن الذي هو جزء من عقيدتنا وإيماننا. نحن أحوج ما نكون لتعزيز الانتماء الوطني في البيت وفي المسجد وفي المدرسة وعلى المنابر الإعلامية.
يجب أن لا نتجاهل بعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة لدينا. هناك من يعتقد أن الأخذ من المال العام جائز وإن كان بغير حق، وهناك من يرى أن الحرية الفكرية تقتضي أن يتعاطف مع أعداء الوطن في الخارج بل ويواليهم، وهناك من يتعامل مع الممتلكات العامة وكأنها لا تخصه ولا تعنيه، وهناك من تقوده أهواؤه الخاصة وحب ذاته وأنانيته إلى تبجيل نفسه وازدياد مريديه وأتباعه على حساب الوطن...إلخ وهناك من يعتقد أن تجاوز الأنظمة والتحايل عليها بل والقدرة على تخطيها مهارة وقدرة ومدعاة لتفاخره أمام أقرانه.
أن نتجاهل هذه المفاهيم والممارسات ولا نسلم بوجودها فهو أمر خطير، أن نعترف بوجودها ونتفق على ضرورة معالجتها فهنا بداية التصحيح.
كل السلوكيات والممارسات السيئة من موالاة الأعداء، الفساد الإداري، الغش والتدليس، حب الشعبوية على حساب الوطنية، عدم الإخلاص في العمل..كلها مؤشرات غير صحية تدعو لضرورة مراجعتنا لمفهوم الوطنية وآلية تأصيلها.
الشيء المؤكد هنا أن من يقوم بمثل هذه الممارسات السيئة قلة قليلة جداً ولكنها بطبيعة الحال مؤثرة وليس من المناسب تجاهلها لأن خطرها كبير وأثرها متعد وليس لازماً.
في نظري أن الأمر يتطلب وضع سياسة وطنية واضحة لتأصيل مفهوم الوطنية في ضوء المستجدات الثقافية والإعلامية والتقنية والسياسية.
إذا تمكنا من تعزيز الوطنية بمفاهيمها السامية فلن نأبه بالتحديات الاقتصادية ولا بالتقلبات الجيوسياسية الإقليمية ولا بالتحولات الثقافية...الخ
فهل إلى ذلك من سبيل؟ ،،،،،