د. فهد صالح عبدالله السلطان
عندما أراد الشعب الصيني في العصور القديمة أن يشعر بالأمان بنى سوراً عظيماً كان من الضخامة والقوة بحيث لا يمكن لأحد اختراقه أو تحطيمه أو تجاوزه والنيل من الآخرين داخله. لقد بنى هذا السور بحيث يمتد لمسافة 4000 ميل ويرتفع 25 قدماً ويتراوح عرضه بين 15 و 30 قدماً. ومع هذه العظمة التي جعلته من عجائب الدنيا السبع فلم يستطع السور حماية الصينيين وتحقيق الأهداف والأمان الذي أنشئ من أجله، حتى خلال القرن الأول من إنشائه. لقد كان الفساد وقلة النزاهة للقائمين على السور وراء فشل المشروع العظيم وعدم تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها حيث كانت تتم رشوة الحراس لإدخال الأعداء. وباختصار فإن عدم توفر مبدأ النزاهة تسبب في إفشال واحد من أكبر سبعة مشاريع في التاريخ.
يقول الحق سبحانه: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» وكأن الأمانة والنجاح أمران متلازمان لا ينفك ولا ينفصل أحدهما عن الآخر. سأل عمر ابن الخطاب الصحابة رضي الله عنهما أجمعين قائلا ماذا لو وليت عليكم خياركم ارأيتموني أديت الأمانة قالوا نعم ياخليفة رسول الله قال لا حتى أنظر في ما يقومون به من عمل...الخ..يقول زيج زيجلا: وجدت أن «أهم أداة للإقناع بين ترسانتك الكاملة في الإقناع هي النزاهة». وفي كتابه عن قوانين الكاريزما وتحقيق أقصى فرص النجاح وجد كيرت مورتينس أن الشركات الفاشلة «لا تسقط بفعل عوامل السوق الخارجية وإنما تسقط نتيجة فقدانها عوامل النزاهة من الداخل».
لا يمكن أن تحقق المنظمة النجاح الحقيقي ولا يمكن لأي وطن أن يشعر بالأمان والاستقرار ما لم تكن مبادئ الأمانة والنزاهة هي الموجه الرئيس وفيصل الأداء لدى العاملين فيه.
قليل أولئك الذين يختلفون على أن الفساد الإداري هو رحم الأمراض وسرطان التنمية ومصدر المشكلات الاجتماعية. يفضي إلى أمراض خطيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: إهدار المال العام، غنى القلة على حساب الكثرة، ارتفاع معدل البطالة، ازدياد طبقة الفقراء وتراجع الطبقة الوسطى، تواضع جودة المشاريع وتدني مستوى تنفيذها، عدم قدرة المال العام وقصوره عن تلبية الخدمات العامة ..الخ.
الذي دعاني إلى طرح هذا الموضوع أمران أولهما الوضع الاقتصادي وضرورة الحد من هدر المال العام كلما أمكن، وأن ترشيد الميزانية أصبح ضرورة لا خيار، وثانيهما أننا ولله الحمد ننعم في عهد اتسم بالحزم والعزم والقوة ووضوح الرؤية.
الشيء الجميل في الموضوع أن الكل متفق على التسليم بوجود المرض، من قيادة هذا البلد الكريم التي أنشأت هيئة لمكافحة الفساد ورعتها، إلى المواطنين الذين تشير طروحات الكثير منهم في وسائل التواصل الاجتماعي بأصابع الاتهام الى هذا الداء عند تعثر أي مشروع أو تواضع خدمة عامة. حتى أصبح المواطن السعودي يعلق على الفساد كل فشل أو تعثر أو تدن في مستوى تنفيذ مشروع أو تقصير في خدمة عامة، وهذا -أعني التسليم والاعتراف بالمرض- خطوة أساسية في المعالجة.
ومن هنا فلم يبق سوى الحلول العملية التي أحسب أننا إذا ما تمكنا منها فسوف ننعم بخدمات ومشاريع شاملة وجيدة مهما كان حجم الميزانية ومحدودية إيراداتنا. يقيني أن الميزانية فيها خير وبركة كبيرة إذا كفت عنها يد الفساد والهدر.
المطلوب إذا هو أن نحول التحدي إلى فرصة. لعل تراجع أسعار النفط ومحدودية الإيرادات فرصة لإعادة ترتيب الأوراق، وفي مقدمتها اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة في الحد من الفساد وإيقاف هدر المال العام.
ولأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح فلعل هذا الموضوع يمثل أولوية في برامج الإصلاح. وفي ضوء ذلك فإنني أقترح إنشاء برنامج وطني باسم «برنامج الملك سلمان للحد من الفساد» يرتبط بالملك مباشرة ليأخذ نصيبه من الحزم والحسم.. ويقوم بالإشراف على كافة الجهات المعنية بمكافحة الفساد ومراقبة المال العام والتأكد من اتخاذ خطوات جادة وجريئة وفاعلة في هذا الصدد. يقيني أن مثل هذا البرنامج سيمثل بصمة قوية وناصعة يحفظها التاريخ للملك سلمان رعاه الله.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،