د. عبد الله المعيلي
تواتر بين عامة الناس رؤية مفادها أنّ هناك صلة ارتباط وثيقة بين أداء الأجهزة الحكومية، ممثلة في الوزارات والوزراء والإدارات التشغيلية في كل وزارة، ومن يرأس هذه الأجهزة ويسيرها ويشرف على مخرجاتها ومدى ما حققته من إنجازات يفترض أنها تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وقد ترتب على هذا الربط الذهني استنتاجات وأحكام، منها أن من يرأس هؤلاء مسؤول عن أوجه الفشل التي تتسم بها بعض الأجهزة الحكومية، حيث يستشف من هذا الربط غير المنطقي، أن الرأس هو من يسيّر الأمور ويدبرها، وبالتالي هو المسؤول عن أوجه التقصير والفشل، وهذا منطق لا يقول به من لديه أبسط علوم الإدارة وثقافتها.
يروى أنّ الملك عبد العزيز - يرحمه الله - عندما رغب في تكليف أحد الأشخاص بإدارة شؤون إحدى المناطق، استدعاه وبلغه جملة من التوجيهات والتعليمات والرؤى، والذي يفترض أنه يصغي إلى توجهات الملك ونصائحه باعتبارها تمثل سياسته ورؤيته، وليهتدي بها هذا المكلف نبراساً في تسيير أعماله وإدارتها، إلاّ أنّ هذا المكلّف تعمّد إظهار عدم استماعه لتوجهات الملك عبد العزيز، فقال له الملك عبد العزيز : أرشدك وأوجهك وأنت متشاغل عني بحك أذنك، قال المكلّف: يا طويل العمر لن تكون معي في كل صغيرة وكبيرة سوف تعترضني أثناء أداء عملي، فإما تكلفني وأجتهد بما أرى فيه الصواب والخير والسداد، أو أن أقف عند كل صغيرة وكبيرة أتذكر ما وجهتني به، أو أراجع جلالتك فيما لم توجهني بشأنه، أدرك الملك عبد العزيز نجاعة الرجل ومدى كفاءته، وقال: اذهب وعلى بركة الله.
يستنتج من هذه الرواية أنّ الملك عبد العزيز يرحمه الله كان ذا رؤية، وموقعه القيادي يملي عليه أن يبلغ ويوجه ولاته والعاملين معه برؤيته تلك، وبما يجب عليهم اتباعه عند إدارة أعمالهم وما يجب أن تتسم به علاقتهم مع أهالي المناطق التي سوف يديرونها، لأنّ الكل محسوب على الملك سواء وفق في عمله أم أخفق.
أما موقف الرجل المكلّف فقد يكون مقبولاً إلى حد ما في حينه، نظراً لكون الدولة فتية ومازالت في مراحل تكوينها الأولى من حيث سن التشريعات والأنظمة التي تضبط العمل وفق منظور عام، وليس وفق اجتهادات شخصية لا يعلم عواقبها.
الآن وقد يسر الله لهذه الدولة قائداً محنكاً، جمع بين الخبرة الإدارية المميزة، والسمات الشخصية الفذة التي جمعت له بين المحبة والمهابة، وهما سمتان مختلفتان قلّ أن تجتمعا في إنسان واحد، وحيث قاربت الدولة من المائة عام من عمرها المديد، وفي ضوء سن التشريعات والأنظمة والخطط الخمسية، ولكي تصل طموحات قادة البلاد إلى ما يتطلعون إليه من تقدم الوطن وإسعاد المواطن، فإنه لابد من صياغة رؤية عامة للصورة المثلى لطموحات ولاة الأمر على مستوى الوطن كله بمختلف مناطقه، ولعموم أفراد المجتمع السعودي أياً كان موقعهم في الخارطة الجغرافية للمملكة، على أن تترجم هذه الرؤية في خطط تنفيذية طويلة المدى قد تصل إلى ثلاثين عاماً، بحيث يسخر كل من يكلف جهوده في إتمام ما أنجزه من سبقه، وبهذا تلغى الاجتهادات الشخصية للمسؤولين في الأجهزة الحكومية، حيث يلحظ أنّ كل مسؤول يسيّر الأمور في وزارته وفق رؤيته واجتهاداته، مما يقتضي في كثير من الأحيان التخلي عما قام به من سبقه، ولا بد أن تجلل الرؤية والخطة بنظام محاسبي صارم لا مجال فيه للإخفاق والتراخي والاجتهاد الشخصي الذي طالما عانت منه كثير من الأجهزة الحكومية.
ومن الأجهزة الحكومية التي يجب أن يضبط أداؤها وفق هذا المنظور (التعليم - الصحة - الإسكان)، لأنّ هذه الأجهزة ذات ارتباط مباشر بمصالح المواطنين واستقامة حياتهم الدينية والمدنية.