د. صالح بن سعد اللحيدان
العقل إنما سمي عقل لأنه يعقل تصرف الإنسان من القول والعمل، ومن العمل الإشارة بأي جزء من أجزاء البدن.
وقيل العقل إنما هو ربط الفعل وتقييده وربط العمل إلا بعد تصور وإتقان.
وقيل إن العقل أصله مأخوذ من العقال، وهو عقل الإبل.
قلت: والعقل أي العقال، وصف مطلق، فكل ما تم العقل به فهو عقال.
وقيل إن العقل من حيث الاستقراء النظري التحليلي هو حسن التصرف.
وقيل إنه سرعة البديهة.
وقيل إنه قوة الشخصية العاقلة مع عدل ونزاهة.
وقيل إن العقل حسن التصور مع حسن التصرف .
وقيل إن العقل إنما هو حسن التدبير على البديهة.
وقيل إن العقل إنما هو حسن النظر على أساس الموهبة.
والذي يظهر لي أن هذه من صفات العقل ولكنها ليست هي العقل، ذلك أن العقل غريزة يهبها الله لمن يشاء من خلقه وهو خاضع في أصله للإرادة فإن كانت الإرادة ذات سبقٍ تربوي خالص نزيه كان العقل كذلك.
وإن كانت الإرادة ذات نزعة ذاتية مركزية مع ما يصاحبها من الدهاء وطول الأمل فإنه يكون وبالاً على صاحبه وعلى من معه.
لكن التعريف أنه مأخوذ من عقل الدابة؛ فهذا تعريف لغوي لم أجد في كتب الأقدمين خلاف هذا حسب فهمي.
ومن هذا الباب، فإن النظر القضائي الجنائي والنظر العلمي التقعيدي وكذلك التحليل النفسي للآثار الظاهرة للعقل، وكذلك في ما يتعلق في البسط السياسي والعلاقات السياسية؛ فالعقل على أنواع سوف أذكرها دون إيضاح لها لأن ذكري لها يتضح منه المعنى، وقد كنت أشرت إلى هذا في أحد المؤتمرات العالميه أثناء حديثي عن القضاء الجنائي الإداري والقضاء الجنائي الأمني.
وكذلك ذكرت بعضاً من ذلك في النادي الأدبي بمدينة الطائف عام 1435 .
وعلى هذا الأساس فالعقول أنواع :
أولاً : العقل الموهوب المتقن .
ثانياً : العقل البديهي .
ثالثاً : العقل التحليلي .
رابعاً : العقل الاستنتاجي .
خامساً : العقل الإيضاحي .
سادساً : العقل المتأمل .
سابعاً : العقل الواسع (المشارب)
ثامناً : العقل المستدرك.
تاسعاً : العقل البعيد النظر من كل زاوية.
عاشراً : العقل الذي يسبقه القلب.
الحادي عشر : العقل الذي تسبقه العاطفة.
الثاني عشر: العقل المصلحي الضيق.
الثالث عشر: العقل المركزي الذاتي .
الرابع عشر : العقل المحدود النظر .
الخامس عشر : العقل الاستشفافي .
السادس عشر : العقل الناقد الذاتي .
السابع عشر : العقل الناقد الحر المطلق .
الثامن عشر : العقل العام المحيط لأساسيات إيقاع أو وضع الشيء في موضعه بنزاهة مطلقة .
التاسع عشر : العقل الحذر البعيد عن المركزية .
العشرون : العقل ذو النزعة المطلقة من خلال النظر والنتيجة وتوزيع الفرص .
وعلى هذا الأساس فإن هذه الأنواع قد تكون منفصلة بعضها عن بعض، وقد يجتمع اثنان في واحد أو ثلاثة في واحد، لكن المتأمل الذي يملك طاقة علمية واسعة وتحليلا فطريا يدرك ما في ذلك شك أن كل نوع مستقل وكل نوع منها يحتاج إلى بسط ليس هذا المعجم اللغوي مكانه، وإن كنت قد ألمحت إلى واسع من القول في كتابي حال المتهم في مجلس القضاء، وكذلك ألمح إليه البخاري في كتاب العلم، وكذلك ألمح إليه ابن تيمية حينما تحدث عن سياسة الإدارة وأنواعها وما تحتاج اليه وما لاتحتاج إليه. وكذلك ألمح إلى هذا الامام القرافي وابن فرحون والأمدي وكذلك ألمح الى هذا ابن جرير الطبري وابن كثير وابن الجوزي؛ حينما فسروا سورة يوسف بواسعٍ من قولٍ متين.
وعلى هذا الأساس أزعم أن العقل بجانب كونه موهبة فإنه يمكن اكتسابه عن طريق كثرة التأمل في تماسك الخلق ونظام الكون وقراءة الحكم والأمثال وتجارب الذين لهم بصمة بالتاريخ بعدل تامٍ مبين وهذا دون ريب نجده في كتاب الامام مسلم في كتاب الانبياء في الصحيح، وكذلك عالجه بتعريف اللغوي ابن منظور والفيروز أبادي وإكتساب العقل أعني صفته ممكنة ما لم تصاحب أحمق أو عجولاً أو قريباً حاسداً أو منافقاً أو ذا مصلحة ذاتيه ينزع الى ذاته في قوله وفي عمله. وأغلب الظن أن قيم الجوزية قد جود القول حول هذا في كتابه الذائع الصيت (اعلام الموقعين).
ولا جرم فإن ما قل ودل يقود الى المعاني الجليلة التي عن طريقها تعاد قراءة هذا الكلام مراراً مع بسطةٍ في الوقت وقوةٍ في التأمل وحرارة في النزعة العامة المتجردة .
تجدر الإشارة (تنويها) إلى الخطأ الطباعي الذي ورد في اسم الإمام السخاوي، وابن خلكان.