د. يوسف خالد جنينة
قراءة/ د. يوسف خالد جنينة
لا أبالغ إن قلت إن لصوص العقول أشد خطراً على الأمة من لصوص المنازل، الذين يحاولون جر شباب الأمة وأبنائها إلى مواطن القتال، والتغرير بهم بشتى الطرق، فحرّفوا بوصلتهم الصحيحة، وصوّبوا بنادقهم نحو صدور الأبرياء، وفخخوا أجسادهم للنيل من أبناء وطنهم، وراحوا ذخيرة لتنفيذ مخططات أعداء الأمة وخصومها.
خوارج هذا العصر واحتكار الحق
حين أنظر إلى الفئات الضالة في عصرنا الحالي، وأقارن أحوال الأزمان السابقة بالزمن الحاضر، لا أجد فروقاً جوهرية بين الخوارج الذين ظهروا لتفريق صفوف المسلمين في عصر الخلفاء الراشدين، وخوارج هذا العصر الذين أظهروا تطرفاً وغلواً أضر بالمسلمين أكثر من غيرهم.
«الخوارج» اسم أطلق على أولى الفرق الضالة وأشدها تعصباً ودفاعاً عن مذهبها وآرائها، كفّروا الخلفاء عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقاتلوا أهل الإسلام، وسفكوا الدماء، وروعوا الآمنين، واحتكروا الحق، وجهّلوا الناس، وفسروا مبادئ الإسلام والفقه بشكل خاطئ، عبر تأويل القرآن الكريم بغير علم، وخروجهم عن منهج الاعتدال، والخروج على ولي الأمر، محتقرين من أخذ بالأرفق من الدين.
وبهذه السمات، فإنَّ خوارج هذا العصر لا يختلفون عن سابقيهم، الذين ربط الإعلام الغربي بينهم وبين الإسلام، رغم براءة الإسلام من هذا الفعل، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، ولا يجتمع الشيء وضده في قالب واحد.
فلذات أكبادنا في مهب الريح
كلنا حزنٌ على شباب في عمر الزهور تتلقفه الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وتحوّله إلى عدو لوطنه، جسد مفخخ هنا وهناك، وعندما يصل إلى بلدان الصراع يكتشف انه مجرد لعبة صغيرة في يد أجهزة استخبارية عالمية، وجماعات أشبه ما تكون بعصابات مسلحة ومافيا حقيقية.
حين نتوغل في أساليب الجماعات المتطرفة التي يستخدمونها للتغرير بالشباب واستقطابهم إلى صفوفهم، نجد أنهم يستخدمون الإسلام الغالي في نفوس الشباب، فيتظللون بعباءة الدين، ويسيئون لمفهوم الجهاد - أحد أهم الأفكار التي استقطبوا بها شبابنا - مستفيدين من وسائل الاتصال الحديثة التي تسهل التواصل بين المختطِف والمختطَف، إِذْ أصبحت المحادثات بينهما ثنائية ومباشرة، لا يفصل بينهما أية حواجز، مثلما يحدث تماماً في غرف الدردشة المغلقة.
ولا يكتفي هؤلاء الساعون إلى استهداف الأمة في أمنها بذلك، بل يسعون أيضاً إلى بث روح الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وإزهاق أرواح الأبرياء، وتفريق الكلمة ووحدة الصف.
7 أسباب لوقوع شبابنا في براثن التطرف
بحثت كثيراً في أسباب وقوع شبابنا في براثن التطرف والإرهاب، ووجدت أن الأسباب كثيرة وعصية على الحصر، من أبرزها وأكثرها تأثيراً:
1 - عدم فهم الإسلام على حقيقته: كثير ممن ينضم لهذه الجماعات المتطرفة لا يعرف الإسلام تمام المعرفة، فلو عرف هذا الدين ومزاياه، وتمعّن في آياته وما فيه من وسطية واعتدال، وطبَّق ذلك في حياته، فإنَّ هذا يقيه من الوقوع في التطرف ومستنقع الإرهاب.
2 - تشويه صورة العلماء والمشايخ: إن من أهم أسباب انجراف الشباب تجاه الجماعات المشبوهة هو تشويه صورة علماء الدين والدعاة، سواءً عبر التواصل الشخصي مع المتطرفين أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى اهتزاز ثقة الشباب بهم، فيغدو الشاب يبحث عن شخصيات مغمورة يتخذها قدوة، ويتبنى فكرها تحت ذريعة الذود عن الإسلام وأهله.
3 - تسييس الدين (أي الاستخدام السياسي للدين): وإضفاء الجانب السياسي على قضايا الناس ومعاملاتهم، والتأثر بالعلاقات الدولية، والتأثير على الشباب وصغار السن عبر مخاطبتهم في عواطفهم من منظور سياسي، كالقضية الفلسطينية، وما يحدث في سوريا والعراق، بالإضافة إلى الأحداث التي تجري في الدول العربية، والتسييس المتخلف لبعض المبادئ الإسلامية، والبُعد عن القراءة الصحيحة للواقع من خلال فقه الواقع، وعدم فهم مبدأ الجهاد بشكله الصحيح.
4 - الجهل وضعف المستوى الثقافي والمعرفي للشباب: عزت منظمة اليونسكو العالمية تأخر الشباب العربي وانجرافهم نحو التطرف إلى ضعف مستوى القراءة والمعرفة والثقافة في مدارسنا وجامعاتنا، نتيجة لانتشار القنوات الفضائية وسهولة استخدام شبكة الإنترنت.
5 - العاطفة والحماس في غير محله: معظم الشباب يعيشون مرحلة حرجة من الحماس المتناهي، مع ضعف الخبرة، ووجود نوع من العشوائية والتخبط، مما يجعلهم فريسةً مثالية للمتطرفين للاستفادة من هذا الحماس، وتطويع عقولهم نحو تنفيذ أهداف قادة التطرف.
6 - انخفاض تقدير الذات للشباب: كلما انخفض تقدير الذات لدى الشاب ، انزلق في أعمال التطرف، فيعمد إلى الانضمام إلى هذه الجماعات لإظهار الذات بأي وسيلة.
7 - الكبر والشعور بالكمال: الكبر مرض خطير، يسهل تسلله إلى أذهان الشباب، فيظن الشاب نفسه أنه هو الذي على الحق، وغيره على الباطل؛ فيسعى إلى الإصلاح والتغيير وفق ما رسخ بذهنه، وعادة ما تكون هذه الأفكار لا أساس لها في آيات القرآن الكريم وسنن نبينا المصطفي - صلى الله عليه وسلَّم - ، فتجد همَّه أن يغير المجتمع مهما كلفه ذلك، حتى هانت عنده الأنفس والممتلكات، وخرج على ولي الأمر.
حلول لحماية شبابنا
المعضلة الحقيقية أننا أنشأنا جيلاً يفتقر للقراءة الصحيحة، والقدوة الصحيحة، والتتبع الصحيح للدين، يساند ذلك ما يلم بالمنطقة من أحداث سياسية.
ورغم هذا وذاك، تبرز مجموعة من الحلول التي ستسهم - بإذن الله - في حماية الشباب من التطرف والإرهاب واتباع خطوات الشيطان:
1 - كشف الحقائق : والمقصود هنا الحقائق التي تجري على الساحة والمنطقة، خاصة الدامية التي ترتكب في دول عربية شقيقة، وكذلك التفسير الصحيح لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلَّم - ، وبيان الحق وإشاعته وإظهاره للناس، وهو واجب على الدعاة وعلماء هذه الأمة أولاً، ثم على الجميع صغاراً وكباراً، معلمين وأئمة وأولياء أمور.
2 - بيان كيفية التعامل مع الطوائف واحترام الآراء والانتماءات : يجب أن يفهم شبابنا سنة الخلق في اختلاف الآراء والطوائف والأديان، وبيان سنة نبينا - صلى الله عليه وسلَّم - في التعامل مع الآخر، وعدم إنكار طبيعة الاختلاف.
فالجيل الحالي لا يحتمل أن يختلف معه أحد دينياً أو منطقياً، أو حتى اختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية، فيظن أنه على صواب وحده، ووحده المعني بتصحيح أخطاء الآخرين.
ومن أمثلة ذلك مسألة الولاء والبراء، فإذا رأى بعض أفراد المجتمع يتعامل مع الكفار والمشركين، غدا عنده من الحماس ما جعله يكفّر هذا الفرد.
ولنا في النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قدوة، فقد عامل المشركين وأهل الكتاب، ومات - صلوات الله وسلامه عليه - ودرعه مرهونة عند يهودي، والصحابة - رضوان الله عليهم - من بعده عاملوا اليهود، وعاملوا النصارى، وعاملوا المشركين.
3 - ضبط العاطفة والحماس : لا شك أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالغيرة على الدين، لكن الحماس الزائد الذي يؤدي إلى قتل الآخرين والخروج على الحاكم يؤدي بصاحبه إلى التهلكة في الدنيا والآخرة، إِذْ لا بد من استغلال هذه العاطفة في عمل الخير والدعوة إلى الله.
ومن أساليب ضبط الحماس ملء فراغ الشباب وتفريغ جهودهم في جماعات تطوع موجهة لخدمة الوطن والدين، تفرغ طاقتهم الجسدية والفكرية؛ ليجد الشاب نفسه من خلال هوية موجهة تخدم دينه ووطنه. ومن هذه الجماعات التطوعية ما أنشئ لخدمة المساجد والمدارس ونظافة البيئة والدفاع المدني... إلخ، دون أن نغفل أهمية وجود منافسة بين تلك الجماعات التطوعية، وإبراز جهودها إعلامياً والثناء عليها، مع احتساب نقاط أو صيغة معينة للشاب المتطوع تخدمه وظيفياً ودراسياً.
ومن أمثلة ملء الفراغ إنشاء نواد داخل الأحياء، تشمل ساحات وصالات رياضية عامة لإيجاد المنافسات الرياضية، وتفعيل ملاعب وصالات المدن الرياضية بالمناطق، والنظر إلى تجارب الدول المتقدمة التي تستفيد من مرافق المدارس في الفترة المسائية، وضم جميع شرائح الشباب في النوادي الرياضية وعدم تهميشها، فهي لا تزال تهتم بمحترفي كرة القدم دون غيرهم.
4 - اختيار المعلم الكفء : لجأت معظم دول العالم إلى تقويم عقول شبابها بتعليمهم وتطويع مهاراتهم باختيار المعلمين الأكفاء، لتوجيه أفكارهم، عبر حثهم على استخدام أدوات العقل والفكر والمعرفة، ونبذت هذه الدول المتقدمة أساليب الحشو والتلقين، وعززت قدراتهم بوسائل القراءة والبحث والابتكار، بدلاً من الخضوع للحفظ والتقليد، كما شجعتهم على استغلال أوقات فراغهم في إتقان مهاراتهم الرياضية.
وهذا يطلب من المسؤولين في وزارة التعليم ضرورة تعديل أساليب التعليم والأنظمة التربوية، وتعزيزها بسبل القراءة والثقافة ومهارات البحث والابتكار، ونبذ وسائل الحفظ والتلقين والتقليد في مدارسنا وجامعاتنا التي أنتجت جيلاً من الشباب منطوياً ومعزولاً عن العالم.
5 - توفير فرص العمل وتسهيل الإجراءات والأنظمة أمامهم : وذلك عبر «تليين» بيئة عمل المؤسسات الصَّغيرة والمتوسطة، والتي تعتبر بيئة صعبة جداً، يتعرض فيها رواد الأعمال والشباب إلى الخسارة، وبالتالي الخروج من السوق؛ لأنّها لم تستطع أن تواجه متطلبات وأنظمة الوزارات والهيئات والجهات الحكومية التي لا تفرّق بين شركة كبيرة وأخرى صغيرة، إضافة إلى صعوبة توطين الوظائف في تلك الشركات، وتعثرها في برنامج (نطاقات) التابع لوزارة العمل. ومن شأن العمل وتأسيس كيان صغير أن يغيّر نظرة الشاب نحو ذاته، فيقدرها، ويملأ وقته بخدمة هذا الكيان، بل وخدمة الآخرين وتوفير فرص العمل لهم.
6 - الحوار داخل العائلة الواحدة : إن التنشئة الاجتماعية تعد عاملاً مهماً لوقاية الفرد من الوقوع في مستنقع التطرف والإرهاب، من خلال إيجاد بيئة خصبة للحوار، وبسط روح الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة الواحدة، وعدم إقصاء بعض أفرادها، والاستماع إليهم، مع أهمية تقصّي أحوالهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وعدم نسيان الكيان الأسري من خلال انشغال رب الأسرة بالسفر والرحلات والسهر، أو المكوث خارج المنزل لفترات طويلة بعيداً عن أسرته، فضلاً عن مراقبة ومتابعة أجهزة الاتصال بين أيدي أبنائه، ومتابعة التغيّرات التي تطرأ عليهم من خلال السلوك أو استخدام بعض المصطلحات البعيدة عن ثقافة المجتمع، والتركيز على الرموز التي يتابعونها في شبكات التواصل الاجتماعي، وكم هو مفيد استشارة أحد المختصين أو الدعاة تجاه تصرفات الأبناء الغريبة وكيفية التعامل معها.
7 - ترك الكذب والنميمة والتقليد والكبر : من مظاهر الكذب والنميمة إشاعة الفوضى، وهي سبيل سهل للغلو والتطرف، وقد انتشرت بين الناس وسائل التواصل الاجتماعي، التي سهّلت نشرت الشائعات، دون التحقق من مصدرها.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإنَّ تأثر الشباب بوسائل التواصل الاجتماعي وما يبث فيها من سموم وأكاذيب يؤثر في سلوكهم، والإحصائيات التي بثت مؤخراً تقول ان تنظيم «داعش» الإرهابي يمتلك أكثر من 45 ألف حساب على موقع (تويتر) يدعو الشباب إلى الانضمام إلى التنظيم.
أما بالنسبة للكبر، فإنه يجب على الشاب ترك الاعتقاد أنه أكثر فهماً للدين وعلماً من أهل العلم، فالكبر هو الذي أخرج إبليس من الجنة حين امتنع من السجود لآدم - عليه السلام - لما أمره الله جل وعلا به، والكبر نفسه هو الذي جعل إبليس يتسبب في خروج أبوينا من الجنة.
8 - دراسة كل حالة على حدة : لا بد من الاستعانة بمتخصصين واستشاريين في علوم النفس والاجتماع وخبراء في شؤون الإرهاب والجماعات، لدراسة حالات التطرف، مع ضرورة تفعيل مراكز الاستشارات الأسرية، التي لا تزال تئن وتعاني من ضعف تأهيل المتخصصين في هذا المجال.
ولا أدل من حرص الدولة وقيادتها الحكيمة على أبنائنا وشباب الوطن، من مطالبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - ، ومن بعده الملك سلمان - حفظه الله - بتغليظ الأحكام بمن يغرر بالشباب والأطفال حتى لا يلقوا بأنفسهم في التهلكة، وتخسرهم الأمة.
17 علامة للتطرف
«اعرف علامات التطرف عند ابنك»..
إن كان لي من نصيحة أوجهها إلى أولياء الأمور والآباء، فهي اعرف علامات التطرف لدى ابنك، تقصى أحواله، وتمعن فيما يقرأ ويسمع.
لقد خرجت بهذه النصيحة بعد حصيلة ثرية من الدراسات والنتائج التي خرج بها المختصون والدارسون لظاهرة التطرف، من بينها العلامات الـ 17 التي تؤشر على التطرف، والتي كشف عنها عبر الإعلام الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية والمتطرفة الدكتور منصور الشمري، ففي حال اكتشاف هذه العلامات باكراً، فإنه يمكن معالجتها قبل تفاقمها إلى ما لا تُحمد عقباه.
ومؤشرات التطرف هي:
1 - سهولة اتهام الآخرين بالكفر والضلال.
2 - تكفير الدولة ورجال الأمن واستحلال قتلهم.
3 - التحريض المستمر ضد جماعات وفئات مخالفة في الدين أو المذهب.
4 - انتقاد العلماء وتكفيرهم وتفضيل علماء متطرفين عليهم.
5 - هجرة المساجد؛ لكون الخطيب أو إمام المسجد معيناً من قبل الدولة وموالياً لها.
6 - الفرح بالعمليات الإرهابية للجماعات المتطرفة واعتبارها انتصاراً لله ورسوله.
7 - اعتبار ضلال الفئات المخالفة لمعتقده سبباً كافياً للقتل بجميع الوسائل.
8 - اعتبار دعوات التعايش مع الآخر المختلف مؤامرة على الإسلام وتهديداً له.
9 - التشدد تجاه أهله، خاصة النساء.
10 - اعتبار مناهج الدين الحكومية متساهلة ومفرطة في نقل تعاليم الدين الصحيح.
11 - الشعور بالغربة وتكرار ذلك على لسانه.
12 - لبس الملابس المختلفة عن مجتمعه كالعمامة أو اللبس الأفغاني.
13 - الاحتساب والإنكار غير المنضبط والمخالف لفتاوى العلماء.
14 - انتقاص النجاحات العلمية والنظرية التي يحققها المجتمع.
15 - التعلق بشدة بالكرامات وخوارق العادات والمنامات.
16 - إهمال الدراسة أو العمل والعزلة عن أسرته والأصدقاء.
17 - التعامل مع الآخرين بحذر مبالغ فيه.