د. حمزة السالم
هدف الحكومة من الضريبة هو زيادة موارد الميزانية دون زيادة نقد في السوق. والضريبة والإعانة صورتان متطابقتان متناقضتان تماماً كقطبي المغناطيس. وكلٌ منهما قد تطورت علوم حساباته ولم تتطور أصل فكرته، فهي ما تزال تُتصور بنفس تصور القرون السابقة، بينما تطور الاقتصاد كثيراً. وساعد على ذلك عدم وجود الحاجة عند الغرب الصناعي التي تدفعهم لابتكار مفاهيم جديدة. فالمجتمعات المتقدمة، مجتمعات متكاملة فكرياً، ومالياً. فأما فكرياً، فما تتفتق عنه عقول البنوك في ابتكارات المشتقات واحتمالياتها، تستفيد منه وكالة ناسا في صعود الفضاء، وفي تنبؤات الطقس، كما يستفيد منه شركات صناعة الصواريخ ومايكروسوفت وقوقل. والتعقيدات المحاسبية في الضرائب تخلق طرق الاحتيال التي تثري القوانين والفكر القانوني عندهم. وأما مالياً، فما ينفقه فردي ماك على التحوط للفائدة، أو ما تنفقه الحكومة على المحامين، أو ما ينفقه المواطن في الضريبة، فإنما هو مال المجتمع الأمريكي يضعه من جيب إلى جيب آخر. كما أن تفوق الغرب المتقدم وأمريكا خاصة في هذا يجعلها محط الأموال ومركز الاستشارات. وذلك بعكس الدول المتخلفة. كالحرب تُنشط الاقتصاد الأمريكي وتقتل الاقتصاد العربي، فشتان بين المُصنع المخترع للسلاح وبين المستهلك له. لذا مثلاً، لا تُسمع نداءات تبسيط قانون الضرائب في أمريكا، فالنتيجة ستكون بطالة وتوقف إبداعات المحتالين، وبالتالي ينقطع سبب نمو الفكر الحاصل بغلق فجوات الاحتيال.
ومن طرق تحويل الضريبة إلى إعانة النموذج التالي:
1. يطرح المشروع التنموي صكوكاً مخفضة، وتكون الصكوك مضمونة من حيث توقيت السداد وعدم الإفلاس بوديعة شبه كاش تبلغ 10% على الأقل من قيمة الصكوك، يتم المحافظة عليها طيلة الوقت بتعويض أي نقص فيها، وهذه ستكون سيولة للبنوك.
2. تكون مؤسسة النقد هي المشتري الرئيسي لهذه الصكوك المخفضة حسب حاجتها المتعلقة بحاجة ميزانية وزارة المالية. وسيكون عائدها الإسمي تحو 100%. وتسترجع كل ما طبعته خلال نصف مدة التمويل.
ويكون شراء المؤسسة لهذه الصكوك بإصدار جديد للريالات السعودية، على نفس الطريقة الأولى التي كانت تتبعها عند استبدال ريع الدولار النفطي بالريال السعودي.
3. تصبح هذه الصكوك - لا الريال - هي ما تقدمه مؤسسة النقد لوزارة المالية عوضاً عن الدولار النفطي.
4. تتحصل المالية على الريالات في مواعيدها المحددة حسب الميزانية، المجدولة بوقت السداد، فتنفقها في أوجه مصارف الميزانية.
فتصبح دورة الريال السعودي في الاقتصاد السعودي ثم خروجه على النحو التالي:
1. يصدر الريال الجديد من المؤسسة عوضاً للصكوك التنموية المخفضة بدلاً من إصدارها عوضاً عن دولارات المالية النفطية.
2. يقرض المشروع التنموي هذه الريالات لمن سيقيم المشروع من مواطنين أو شركات.
3. ينفق المستفيدون الريالات على العمالة الأجنبية واستيراد المواد الأجنبية فتخرج الريالات للخارج.
4. تستبدل مؤسسة النقد ريالات المشروع التنموي الخارجة بالتحويلات الاستيرادية، بالدولار النفطي الذي حصلت عليه من وزارة المالية معاوضة بصكوك المشروع الإنتاجي المخفضة.
5. تحصل وزارة المالية على الريالات من داخل المجتمع السعودي، الذي سُيسدد للبنوك الوسيطة ومن ثم إلى حسابات المالية في المؤسسة.
6. تضخ وزارة المالية هذه الريالات مرة أخرى للمجتمع عن طريق صرفها لبنود الميزانية.
وبهذا حُيدت مشاريع التنمية عن أن تؤثر على الاحتياطيات الأجنبية.
وقد يتساءل المتأمل الذي قد لا يهضم المسألة، كيف استطاع المجتمع السعودي تأمين سيولة واحدة قامت بعمل سيولتين لتكفي حاجة المالية وحاجة المشروع التنموي؟.
فالجواب يتركز في أربعة أمور: الأول هو عامل نفسي، كما أن قطع الإعانة على السلعة بذاتها وتبديل الإعانة بالنقد، يعمل على الإقلال في استهلاك السلعة التي كانت مُعانة.
الثاني: يدخل الكاش الورقي المعطل والخارج عن السيولة التمويلية، والذي ينتشر بشكل كبير في تداولات المجتمع خاصة إذا كان المشروع التنموي يتعلق بالشريحة الوسطى. والكاش الورقي متى صار رقماً، دخل السوق كسيولة مضاعفة.
الثالث : وهو أهم الأمور، أن هذه الصكوك المخفضة ستحيي سوق السندات، إذا ما كانت بقيمة 100 ريال، فتكون ملجأ استثمارات الناس ومستودع أموالهم، مما يوفر سيولة دائمة في السوق بتضاعف المعامل. فسوق الصكوك ستقوم بدور المثبت للريال داخل السعودية بينما الريال يدور عدة مرات. كما سيأتي بعض الأموال الخارجية، بالنسبة للمستثمرين، كما أن البنوك ستصبح أكبر مستثمر به بدلاً من الربو العكسي، وسندات ساما، فضلاً عن استثمارها في الطويلة الأجل منها.
رابعا: عامل الزمن، فباختزال، فالفكرة هي تحقيق مشاريع التنمية التي فيها سداد من المجتمع عن طريق مشروع ادخاري وطني شامل غالب المجتمع. فهذا بعض ما يشرح جانباً كيف قامت سيولة واحدة بعمل سيولتين.
والأرباح التي يحققها الاقتصاد السعودي من نموذج كهذا، كثيرة منها:
1. عزل مشاريع التنمية عن الإنفاق الحكومي.
2. تحييد مشاريع التنمية التي تستعاد كلفتها عن الاحتياطيات الأجنبية أو دخل البترول.
3. أنه ستقام سوق حية للرهون وللصكوك، وما له من أثر إيجابي على سوق الأسهم.
4. أنه سيوفر كلفة الضمانات وشركات صناعة سوق التمويلات ، مما يؤدي لتوفير كلفة ضخمة لو اتبعنا الطريقة الأمريكية المقترحة في إنشاء شركات إعادة تمويل وشركات التأمين الحكومية، ويوفر علينا استجلاب مئات الخبراء منهم الذين لن يستفيد المجتمع منهم شيئاً، فهاهم نصف قرن في البنوك ولم تنتقل الخبرة للسعودي.
4. أنه سيوفر كلفة التحوط للفائدة، فيوفر استهلاك أموالنا واحتياطاتنا الأجنبية فيما سندفعه للبنوك الأجنبية.
5. أن هذا النموذج وما يتبع له سيصبح التجربة السعودية المستقلة الناجحة لبعض الدول غير المتقدمة وبدلاً عن الضرائب، فتأتي السعودية متقدمة على جميع الحضارات السابقة، بمفهوم تنموي إعاني للضريبة، لا يتطلب ديمقراطية لتطبيقه، كالضرائب التي قادت النرويج لتمثيل الديمقراطية المثالية، ليثني العالم على التجربة النرويجية وهي التي قامت على الضريبة، فالتجربة السعودية الناجحة ستقوم على الإعانة التنموية، التي تكون الدولة عاملاً مهما في نجاحها وشاهداً لسلطتها واستقلاليتها.