د. حمزة السالم
طُلبت لمقابلة ملك الحزم، مليكنا المحبوب، زمن ولايته للعهد. وعندما تشرفت بالمثول بين يديه، فإذا به يخبرني بمعلومة غابت عني في مقال كتبته، قد كان حفظه الله طرفاً في هذه المعلومة. فهذا ملك البلاد لم يهمل كاتباً كتب مقالاً وفاتته معلومة، فيقابله بنفسه رغم أشغال الأمة المتعلقة به؛ ليمنح الكاتب شرفاً، وعلماً، وثقة بأهمية دوره في المجتمع. فما بال وزارة المالية لا تلتفت لمقال كاتب، ولا لمشورة ناصح، ولا لطلب مقابلة. فو الله إنَّ لها في ملك البلاد قدوة حسنة لو اقتدت به، ولو فعلت لما تجرأت الصحف الغربية على جعل اقتصادنا فاكهة لهم، ولتأتي بعض الصحف المحلية والعربية لتنقل عنهم. فيجد شياطين الإنترنت من المحرضين والحاقدين بيئة خصبة لهم حتى تناقلت الناس في المجالس أحاديث الإرجاف، وتراكضت لإخراج أموالها من البلاد، تساءلنا عن شعورهم بالوطنية، وعن عقولهم التي تصدق مثل هذه الخزعبلات. أليس من مهمة الجهات الرسمية التوضيح والبيان؟ وما أكثر المخارج وما أسهل هندسة الكلام ليفهم الناس ما يتلبس. وملكينا حفظه الله قدوته محمد بن عبد الله، فهو لم يهمل كاتباً، إذ لم يهمل عليه السلام مقولة الأنصار في حنين، بل جمعهم «يا معشر الأنصار ما من مقولة بلغتني عنكم» فبيَّن عليه السلام لهم حتى فهموا، فهدأت نفوسهم، وهم الأنصار وهو رسول الله، فما ظننا بمن هو دونهم. أليس في نبي الأمة وفي مليك البلاد قدوة حسنة لوزارة المالية تقتدي بها؟ فماذا لو تحدثت للصحفي، وقابلت الكاتب، وبينت الأمور، واستفادت من بعض ما يقال ولو كان خطأ؟ فتبيين الخطأ يفتح المجال للإبداع. في مقابلة لي مع الأستاذ راشد الفوزان، تطرق الحديث لبعض كتاباتي في شئون مهمة وأمور كبيرة بعضها تتعلق بوزارة المالية، فمرة مدافعاً وأخرى ناقداً. وفي الحالين كلاهما لم أكن إلا قاصداً مصلحة البلاد، وإن كان هذا يصعب فهمه من كثير من الناس. وفي كلا الحالين لم ترد وزارة المالية. فسألني الفوزان مستفزاً لي «الوزارة لا ترد عليك؛ لأنها ترى خطأ ما كتبت»، أو نحو من ذلك. فأجبته إن كنت كاتباً في أهم جريدة محلية، أنشر فكري الخاطئ في المجتمع، ومدرساً في الجامعة أُعلم الطلبة قادة المستقبل ما أكتب في مقالاتي من خطأ، ومستشاراً في كثير من الأمور المهمة الكبيرة أشير عليهم بما أراه، فلم لا تتفضل علي بتعليمي الصواب؛ لكي لا أنشر فساد فكري في جميع أطياف المجتمع؟ إلى متى والجهات الرسمية عوماً وبينها وزارة المالية لا تتجاوب مع الإعلام السعودي، لماذا تفقده الثقة في نفسه، وتفقد الثقة الشعبية فيه حتى أصبح الناس يتلقون أخبارهم من الصحف الأجنبية. أين تكمن المصلحة عندما يصبح الإعلام الغربي هو مصدر الأخبار. بينما في الغرب تصنع الحكومات كتاباً، وصحفيين، وصحف. تصنع الرؤساء الصحفيين، والكتاب، والصحف بأن تمنحهم الثقة بالتفاعل مع كل ما تنشر الصحيفة التي ما أعلى شأنها الإعلامي محلياً وعالمياً إلا اعتبار الحكومة لها، فشعرت بالمسئولية فحملتها. تصنع الكاتب بمنحه لقاءات شفافة، وبالتفاعل العلني مع كل ما يكتب، فمن هو فريدمان الذي اعتبره العالم أجمع، لو أن حكومته لم تعتبره. إن لم يقدر الرجل قومه فلا تطمعن في الغريب أن يقدره. وما أهون عند الناس من هان عند قومه. من السياسة صنع كتابٍ وصحفٍ ينشرون السياسات ويوضحونها للناس، والصنع لا يعني التأييد والتبجيل، بل النقد ثم تفنيد النقد. وليس من الحكمة اعتبار الآراء رأياً واحداً ولو تشابهت صورها، ففرق جوهري بين ناقل مقلد، وبين مبتكر، ولو تلبست الأفكار لباساً ظاهرياً واحداً.