د. محمد عبدالله الخازم
المساءلة أو المحاسبية تفترض وجود جهة تساءل الشخص عن تصرفه أو أفعاله. مصطلح المساءلة (accountability)، كلمة تتردد كثيراً في القاموس الإداري والاجتماعي، لكننا قليلاً ما نغوص في تفاصيلها ومعانيها بالذات في مجتمعنا المحلي، ونعجز عن تحديد مرجعيتها، فهل أنا ككاتب على سبيل المثال مسؤول أمام القارئ عما أكتبه، هل فعلاً القارئ يستطيع محاسبة الكاتب على تجاوزه؟ هل فعلاً الكاتب يضع نصب عينيه القارئ العادي؟ أم أن قوله بالمسؤولية أمام القارئ هو مجرد ادعاء بينما هو في الواقع يكتب ليرضي المسؤول؟ أو ليرضي مصالحه الخاصة أو ليرضي مسؤول التحرير؟
المسؤول نسمعه كثيراً يردد حرصه على راحة وخدمة المواطن، لكن هل هو فعلاً يعني ما يقول؟ أم أن ذلك مجرد شعار إعلامي بينما هو في الواقع لا يجد نفسه مسؤولاً سوى عن إرضاء المسؤول الأعلى منه، ولا يهمه سوى المساءلة التي قد يلقاها من المسؤول الأعلى منه؟.
مدير المدرسة نجده يردد حرصه على مصلحة الطلاب وأنه مسؤول أمام الطالب وولي أمره عن إنجاح العملية التربوية والتعليمية، فهل فعلاً ذلك معياره الرئيسي في العمل؟ أم أن تركيزه فقط على إرضاء مدير التعليم ولا يرى نفسه مسؤولاً سوى أمام مدير التعليم ومسؤول الرقابة؟.
الطبيب هل فعلاً يطبق مقولته بأنه مسؤول ويستمد حسابات نجاحه من المريض؟ أم أنه مع الوقت يجد نفسه مسؤولاً فقط امام مدير المستشفى ومدير المستشفى فقط من يحاسبه على فعله سلباً وإيجاباً؟
الإداري هل يهمه رأي المراجع فيما يقوم به من أعمال؟ أم أن الأهم بالنسبة له الالتزام بحرفية النظام وعدم تجاوز تلك الحرفية، بمعنى أنه لا يجد نفسه محاسباً أو مسؤولا سوى أمام نصوص النظام وهيئات الرقابة والمراقبة؟.
موضوع المساءلة أو المحاسبية يطرح اسئلة شائكة تحتاج إلى بحث:
المسؤول، أمام من هي مسؤوليته؟
ما هي طبيعة المساءلة التي يفترض أن يتعرض لها؟
كيف يتحمل المسؤولية ويكون محاسباً أمام الآخر؟
ما هي تبعات المسؤولية واعتبار المسؤول محاسباً ومساءلاً أمام المجتمع والجهات الرقابية وغيرها؟.
في النظام الإداري التقليدي، وللأسف هذه طبيعة نظامنا ، المدير مساءل أو مسؤول أمام مديره الأعلى ومديره مسؤول أمام الوزير، وهكذا كل فيما أعطي له من صلاحيات أو مسؤوليات محاسبية، لكن في النظام الحديث المنظم - لن أستخدم مصطلح الديمقراطي لأن البعض لديه حساسية عجيبة تجاه هذه الكلمة - تتوسع هذه المسؤولية ليشارك المستهلك والمستفيد والموظف والجهات الرقابية/ البرلمانية في تحديدها، وهنا تتسع مساءلة كل من يستلم منصباً لتصبح امام المستفيد والموظف والمسؤول والنظام والمعايير...
عندما نسمع باستقالة وزير ياباني لمجرد موت مواطن بسبب خطأ من أحد منسوبي وزارته، فهذا يعني أن الوزير يرى نفسه مسؤولاً أمام المواطن عن كل ما يحدث بوزارته.. في الطرف الآخر عندما نرى موت مواطنين بنفس الطريقة وأبشع في دولة أخرى لا يحرك المسؤول فيها ساكناً، فلأن المسؤول لا يرى نفسه مساءلاً أمام المواطن، بل هو مسؤول أمام رئيسه وأمام إدارة الرقابة غير المستقلة أساساً، فإن استطاع تبرير موقفه (بيروقراطيا) أمام تلك الجهات فإنه لا يبالي بالآخرين.
حتى حين نؤسس لجهات تقوم بدور التقييم والمساءلة؛ نستورد الأنظمة الحديثة وتقنياتها، لكننا نطبقها بطريقة تخرجها عن روحها، فنضع هيئات تقييم واعتماد ورقابة، لكننا نجعلها تحت رئاسة المسؤول التنفيذي ونبعدها عن تمثيل الصوت المهني وعن تمثيل المواطن...
الموضوع هنا يتطرق للجانب المؤسسي وليس للصفات القيادية للأشخاص. الاشخاص / القادة يختلفون في إحساسهم بمسوؤلياتهم واعتبار أنفسهم محاسبين ومساءلين أمام جهات مختلفة. لا نريد أن نركن إلى سمات الأشخاص بقدر ما نبحث عن إيجاد نظام مؤسسي.
في المقال القادم نوضح تطبيق النموذج على الجامعات.