د. محمد عبدالله الخازم
لست متخصصاً في الاقتصاد، لكنني أهتم بالتنمية والنظم الصحية والتعليمية والاجتماعية، لذلك أنا لا أتحدث هنا كرجال الاقتصاد، بقدر ما أنا حذر من بعض الأفكار التي ربما تحتاج مزيداً من الوضوح. الحذر أو القلق هو أن يتم الفعل الاقتصادي على حساب بعض أوجه التنمية البشرية و الاجتماعية، وعدالة توزيع التنمية و الموارد المختلفة. التطوير كالمركبة، لا يمكنه السير على عجلة واحدة. أقرأ وأسمع أفكاراً في الخصخصة وتنويع الموارد وغيرها من الأفكار الاقتصادية أو المالية، لكنني أشعر بخفوت صوت الإصلاح الإداري والإصلاح التنموي والإصلاح الإجتماعي والإصلاح التشريعي، والإصلاح القضائي...
على سبيل المثال، النظم الصحية الناجحة على مستوى العالم هي تلك التي لم يسيطر عليها القطاع التجاري/ الخاص وبقيت تدار عن طريق الحكومات، بصيغة ما أو بأخرى. لكننا نسمع في ظل الحماس تجاه تقليص النفقات وتنويع الموارد، من يطالب بخصخصة الخدمات الصحية متناسين كونها خدمة اجتماعية يجب أن توفر للجميع و لا يمكن إخضاعها لمبدأ الربح والخسارة والتنافس التجاري البحت. أقول نحن نسمع، لأننا أمام غموض حول ماذا يريد المخطط الصحي؟ وماهي رؤيته أو خططه؟ وماهي تعريفاته للقضايا والمصطلحات؟
عندما يتحدث وزير الصحة في مؤتمر التنافسية لا أعرف أهو يتحدث عن أرامكو والبترول وعالم الشركات أم يتحدث عن الصحة كخدمة اجتماعية لها فلسفة مختلفة تماماً عن عالم الشركات؟ لا أدري ماهو تعريفه للخصخصة وهل هناك تفريق بين الخصخصة بمفهوم بيع القطاع العام للقطاع الخاص كما نعرفها؟ أم يتحدث عن (الأوت سورسينق) والذي تشتهر به الشركات من ناحية تنفيذ أعمالها عن طريق شركات متخصصة؟ أم يتحدث عن تأسيس شركات تشغيل صحي حكومية؟ أم يتحدث عن منح المستشفيات ميزانية مقطوعة واستقلالية في التشغيل؟
بعض ذلك ليس جديدا، حيث كانت بعض المستشفيات، ولازالت بعض خدماتها، تدار عن طريق شركات تشغيل صحية، كما أن فلسفة استقلالية المستشفى بدأت تحت مسمى التشغيل الذاتي وأعتبرها تجربة لم يستكمل تطويرها أو تجمدت عند مستوى محدد بسبب عدم استيعاب وزارة الصحة لها. هل تم دراسة تلك التجارب وسبب نجاحها أو فشلها، قبل الانطلاق نحو تجارب جديدة أو تكرار تجارب سابقة؟ هل من المنطق التخطيط للمستقبل الصحي دون قراءة التجارب السابقة ودون الإطلاع على التجارب الصحية العالمية، الناجح منها والفاشل؟
لدينا صعوبات إدارية في الصحة، لكن ذلك ليس مبرراً... الخدمة الصحية تبقى اجتماعية وليست تجارية. المشكلة الإدارية لها حلولها متى توفرت الإرادة وتم اختيار الطريقة الصحية للمعالجة. أعود لوجهة نظر عامة في الخصخصة بالسؤال؛ أيهما أولى تخصيص ( بيع) بعض مؤسسات القطاع العام الناجحة - كالتخصصي- للقطاع الخاص أم تأسيس خدمات جديدة عن طريق القطاع الخاص؟
أخشى أن تسحرنا فكرة تقليص عجز الموازنة ببيع أفضل منتجات الحكومة تحت مسمى الخصخصة، بدلاً من التأسيس لخطة اقتصادية مستقبلية تسهم في توليد الوظائف والتنمية المستقبلية. أخشى أن يكون هدف الخصخصة هو مجرد زيادة مداخيل الميزانية بطريقة سريعة وليس تحقيق أهداف تنموية كتوليد الفرص وتنمية البنية التحتية وتنمية المناطق الطرفية وتوزيخ الخدمات بشكل عادل..إلخ؟
المسارعة في تأسيس مشاريع كمترو جدة أو الدمام أو تخصيص بقية مترو الرياض، لن يمنح خزينة الدول دخلاً سريعاً كبيع/ تخصيص بعض مؤسسات القطاع العام الناجحة كأرامكو والتخصصي، لكنه سيولد وظائف وسيسهم في التنمية المستقبلية وسيخفف عبء التنفيد والتمويل عن كاهل الحكومة، حينما نوكل تنفيذه للقطاع الخاص مع إتاحة استثماره عن طريق القطاع الخاص وفق الطرق المعروفة في هذا المجال. ومثل ذلك ينطبق على شبكة قطارات بين المدن وتأسيس / تخصيص مطارات، ملاعب رياضية، مدن صناعية وغير ذلك من المشاريع المنتجة والمولدة للوظائف والمحققة لأهداف التنمية المختلفة. بمعنى آخر، أرى توجيه بوصلة التخصيص نحو تأسيس مشاريع جديدة، بدلاً من الإشتغال على بيع المؤسسات القائمة والناجحة.