د. محمد عبدالله الخازم
يجري الحديث عن خصخصة العديد من القطاعات ومنها التعليم، وأحاول استيعاب المفاهيم المطروحة في هذا الشأن. من ناحية المبدأ؛ القطاع الخاص مساهم بشكل جيد في التعليم السعودي - لا أملك إحصائية دقيقة - ويعتبر رافداً اختيارياً، لمن رغب واستطاع توفيره، لكن الحكومة تلتزم بمجانية التعليم لجميع المواطنين.
تعريف الخصخصة هو بيع القطاع العام للقطاع الخاص أو تحويل الخدمة لتكون ضمن مسؤوليات القطاع الخاص، تملكاً وإدارة وتمويلاً. وإذا كانت الجهات المعنية تفكر بهذا الاتجاه فإنه يخشى تأثيره السلبي من الناحية الاجتماعية وماقد يقود إليه من حرمان شرائح من المجتمع من التعليم بسبب عدم قدرتها على شراء خدمة التعليم. خصخصة التعليم العام بأكمله غير موجود حتى في أعتى دول الرأسمالية، لذلك لا أعتقد حدوثه لدينا، واقترح استخدام مصطلحات دقيقة في هذا الشأن. ربما قضيتنا هي البحث في آليات جديدة في التمويل والتشغيل أو الإدارة، وليس التخصيص بالمعنى الحرفي للكلمة، كما أوضحت معناها أعلاه. أو ربما يكون الحديث عن زيادة مساهمة القطاع الخاص، من مبدأ زيادة الخيارات من جانب ودفع القادرين على تحمل بعض مسؤولياتهم في تمويل تعليم أبنائهم.
بنظرة عالمية نجد أن الحكومات تعتبر المساهم الرئيسي في تمويل التعليم العام؛ ففي كندا يشكل التمويل الحكومي للتعليم العام حوالي 78 % وفي الولايات المتحدة حوالي 70 % وفي أستراليا واليابان حوالي 76 % وفي المملكة المتحدة حوالي 85 % وفي دول مثل الدنمارك وبلجيكا وايطاليا وهولندا وفرنسا يرتفع التمويل الحكومي ليتجاوز 90 % بينما في دول مثل البرتغال وفنلندا والسويد والنمسا يتجاوز التمويل الحكومي نسبة 95 % من تمويل التعليم العام. الإحصائيات ليست حديثة هنا لكنها تمنحنا مؤشرات بأن التمويل الحكومي يشكل النسبة الأكبر لتمويل التعليم العام في أغلب دول العالم يشكل. إذاً لا بأس من مساهمة القطاع الخاص بنسبة معقولة، اقترح أن لا تزيد مساهمة القطاع الخاص لدينا عن 20 %؛ إلا إذا كان النموذج الذي نحتذي به هو كوريا ويبلغ التمويل الحكومي فيها للتعليم 57 % فقط!
إذاً الفكر الجديد المطلوب يتعلق بآليات التمويل وطرق إدارة وتشغيل مؤسسات التعليم - تركيزنا على التعليم العام. وهنا تأتي الاختلافات بين الدول وليس هناك ما يمنع من تجريب بعض النماذج التي أثبتت نجاحها في المملكة.
أحد الأفكار التي توجد في بعض الدول، تكمن في تأسيس الصندوق الوطني للتعليم، ومن خلاله يتم الصرف على الطالب بشكل منح دراسية في المكان الذي يختار الدراسة فيه، سواء مدرسة حكومية أم أهلية معترف بها. القضية هنا تتعلق بإعادة طريقة التمويل وتحديد آلية تشغيل المدارس وغير ذلك من الإجراءات التي تبدأ بتحديد كلفة تعليم الطالب السعودي في كل مرحلة، وهل ستغطي الدولة كافة التكاليف أم ستحمل المواطن جزءا منها؟
الجزء الآخر سيكون في كيفية تشغيل المدرسة الحكومية، هل سيكون جزئياً عن طريق الحكومة أم سيوكل للقطاع الخاص بأكمله بما في ذلك التوظيف والصيانة والمشاريع وغيرها. أحد المقترحات يكمن في البدء و بشكل تدريجي منح صلاحيات تشغيلية ومالية - برامج تشغيل ذاتية - لبعض المدارس المختارة حتى تنضج التجربة فتصبح المدرسة قادرة على الاستقلالية ويصبح بالإمكان معاملتها تحت نظام حكومي مستقل بحيث تقر ميزانية المدرسة بناء على عدد طلابها - ميزانية منح طلابية.
أحد النماذج التي يبدو أن وزير التعليم قصدها في أحد تصريحاته تتمثل فيما عرف بأمريكا وبريطانيا وكندا بـ Charter Schools وهي مدارس مستقلة يؤسسها ويديرها تربويون وفق مواصفات خاصة تختلف من دولة لأخرى، ويتم دعمها محليا عن طريق السلطات المحلية. ويعتقد أن نجاحها يأتي لكونها تتخلص من القيود الإدارية والتنظيمية الحكومية. الفكرة تعتبر متقدمة و تستحق عرض مزيد من تفاصيلها وكيفية موائمتها مع النموذج الإداري المحلي، ليتسنى استيعابها.
مساحة المقال انتهت، لكن الموضوع يحتاج نقاشا معمقا. ولنتذكر دائماً؛ في التعليم خيارات الحاضر تصنع المستقبل..