د.عبدالعزيز العمر
لم أجد وصفاً يشخص علة التعليم أجمل ولا أروع من مقولة التربوي العظيم جون ديوي الشهيرة: «التعليم ليس هو الإعداد للحياة، بل هو الحياة نفسها». من تجربتي الطويلة أكاد أجزم أن تعليمنا لا يزال منفصلاً عن حياة طلابنا، أي منفصل عن واقعهم اليومي المعاش وعن همومهم واهتماماتهم، مدارسنا لا تقدم لطلابها مجتمعهم على حقيقته، ولا تهيئهم للتعرف على جوانب ضعفه وإصلاحه، بل إنها تقدمه لهم كما لو كان مجتمع المدينة الأفلاطونية الفاضلة. دعوني أذكر لكم أمثلة توضح كيف أن التعليم في بلاد الفرنجة التصق بواقع الطلاب المعاش. فمثلاً، قرب إحدى المدارس كان هناك تقاطع بحاجة إلى وضع إشارة ضوئية، فكلف معلم التربية الوطنية طلابه بإعداد دراسة عن الموقع ومقابلة المسؤولين في البلدية وجهاز المرور لإقناعهم بتركيب إشارة ضوئية، وفعلاً تم بجهد الطلاب تركيب الإشارة المرورية. مثال آخر: معلمة رياضيات لاحظت أن طلابها يتركون حصتها ويتوجهون إلى صالة التزلج، فقامت بتعديل منهج الرياضيات ليتضمن موضوعات عن سرعة قفز المتزلج وحساب أقصى ارتفاع يصل إليه، وقوة ارتطامه بالأرض عند هبوطه، عندئذ عاد الطلاب إلى حصص تلك المعلمة. مدرسة أخرى أنشأت قاعة ذات تصميم مطابق لقاعة المحكمة، ووفرت للطلاب لباس القضاة المعروف. وقررت المدرسة أن يقوم الطلاب بدور القضاة ليحاكموا زملاءهم الذين يرتكبون مشكلات سلوكية. وقد يكون الطالب متهماً اليوم وقاضياً في اليوم التالي، وتلتزم المدرسة بتنفيذ ما يتوصل إليه الطلاب القضاة من أحكام تتعلق بزملائهم المتهمين، وقد تشكل المحكمة الطلابية لجنة محلفين من الطلاب أنفسهم.