تركي بن رشود الشثري ">
«عندما يصبح المسرح جاهزاً فإن ظهور القائد الموهوب يصبح أمراً محتوماً»
هكذا يفتتح إيريك هوفر حديثه عن القيادة في الحركة الجماهيرية ويؤكد أن الذكاء الخارق ونبل الشخصية والابتكار لا تبدو أموراً ضرورية بل قد لا تكون أموراً مرغوباً فيها، كذلك بُعد النظر لا يشترط في القائد بعد النظر لأن بعد النظر يقود للشك وعدم الانخراط في الممارسة والعمل، وبالطبع فالشاب يحتاج لهذا القائد لأنه لا يستطيع قيادة نفسه بنفسه ويعاني من مأزق الوجود الثقيل فيسلم نفسه للجماعة والإخوة والقيادة ويقتات على خطب القائد وبياناته ورسائله التي تلخص القيم والمبادئ الضرورية لاستمراره في هذه الجماعة وجودياً وتعفيه من تحريك ملكات التفكير والنقد، وبالطبع يتكئ هذا القائد على ثلاثية (التأكيد - التكرار - العدوى).
المطلوب هو الآتي:
- إرادة حديدية.
- رؤية تحول الآراء إلى مجرى في الحركة
- يجسد القائد التحدي.
- يعبر عن النقمة المخزونة في نفوس المحبطين ويجد لها التبريرات.
- يبني مسارح الخيال لضمان التضحية بالذات.
- الاستمتاع بالتحدي.
- الإيمان الذي لا يقبل نقاشاً.
- احتقار الحاضر.
- القدرة على اكتساب المعاونين الأقوياء ولكن يجب أن يخضعوا لإرادته ويستمدوا منه الإلهام وحده وأن يعدوا هذا الخضوع غاية المجد.
- واقعي عملي ولكن يجب أن يتحدث بلغة المثالي.
- الطاعة العمياء للقائد (أطع - ولا تسأل عن السبب) وهذا يلبي أشواق المحبطين فهم لا يتبعون القائد لأنه سيقودهم لأرض الميعاد بل لأنه يقودهم بعيداً عن أنفسهم، إذن الاستسلام له غاية وليس وسيلة، أما الاتجاه الذي سيسير فيه فلا يهم
وفي علم النفس لا يغفل النُّظار فحص الرغبة الإنسانية المتجذرة في البحث عمن نلقي على عاتقه مسؤوليتنا ونعتمد عليه يبتدئ ذلك من خلال ثنائية الأم/ المولود وكلما تعمق الجرح في نفس الشباب ولم يحصل على حصته من الرعاية في فترات نموه ممن حوله ويهمهم أمره فإن جاذبية القائد الأسطورة تشتد لديه أكثر من غيره، ومما أنسى الناس واجباتهم تجاه غيرهم من أبناء هو طغيان الحياة المادية والنزعة الفردانية فهي لم تؤثر على الشباب فقط بل وعلى الشيب حتى صرنا بحاجة لأن نقول لكثير من الأمهات أنتي أم فكوني أم أنتي آخر معاقل الحنان الذي لا ينضب فلا تتخلي عن مسؤولياتك الجسيمة في عالم السرعة والفتنة والمادة واللايقين.
هذا الشاب المحطم المأزوم يلتحق بالجماعة ويلتقي بالقائد الملهم فيتخلص من المسؤولية لأنه تحول إلى أداة لتنفيذ الأوامر فقط بلا سؤال ولا مراجعة ومن يحصل مثل هذا الجو؟
فرصة للهروب من الذات والتخلص من مؤونة التفكير واتخاذ القرار ويشعر بشيء من تطهير النفس المذنبة، وفي المقابل يلقي بالذنب والسوء على المخالفين له من أفراد وجماعات وشعوب وأنظمة فهو الطاهر الوحيد وجماعته هي شعب الله المختار وقائده هو المخلص للبشرية من العذابات والآلام والآثام يكلل ذلك بحزام ناسف ينتطقه ويسحب فتيله في جماعة من المصلين أو الراقصين لا يهم المهم هو التخلص من النفس غير الموثوق فيها، النفس الثقيلة والحياة الكئيبة والأهم تنفيذ الإرادة العليا للقائد العام والانصياع لما تمليه روح الجماعة الأم.
يورد سير مارتن كونوى ثلاثة أنماط للزعماء سماهم (قاسري الزمرة ومكرهيها ثم أئمتها وهداتها ثم نوابها وممثليها)
النمط الأول: مثل نابليون وهو القائد الذي تقيمه فكرة كبرى ولا تقعده، ويبدأ بحشد الناس لها ضارباً على أوتار معينة بمعنى أنه يستطيع تحويل فكرته إلى قضية يهب لأجلها المجموع فيطبع الناس بشخصيته الفذة ويجعلهم يرددون مبادئه.
النمط الثاني: أئمة الزمرة وهداتها وهؤلاء رجال ذوو فراسة مشبعة بعطف ولهم إحساس مرهف فيشعرون بما تشعر به الجماعة وعندهم مقدرة بعد ذلك على التعبير الواضح عن هذا الشعور بل وأكثر من ذلك هم يستطيعون شرح مشاعر الناس للناس لأنها في بعض الأحيان غامضة على الناس أنفسهم.
النمط الثالث: نواب الزمرة وممثلوها وهم يقتصرون على التعبير عما برز من آراء الزمرة ويوجد دائماً ما يقيدهم عن الإفصاح بآرائهم الشخصية إن كان ثمة آراء.
القائد الملهم لا يأتي بأفكار جديدة بل يلخص ويبسط الأفكار المستقرة في قلوب الأتباع وعليه فنحن نرى أن ظهور داعش في هذا الوقت أمر حتمي لأسباب عدة منها:
- أسباب دينية (التأويل المذموم لنصوص الوحيين).
- أسباب اقتصادية (ثنائية التخمة/ الجوع وترنح الطبقة الوسطى) قلة الفرص.
- أسباب سياسية الضغوط ومخلفات الاستعمار وكذلك المصالح الدولية المعقدة.
- أسباب ثقافية (ضعف الحصيلة الثقافية لدى الشباب وعدم وعيهم لدروس التاريخ).
- أسباب تربوية (العنف الأسري وما لف لفيفه).
- أسباب تاريخية (حتمية المواجهة بعدما استنفدت حروب الوكالة فآخر المعاقل هذه الجماعة في مخيال الشاب المتحمس) كذلك النكسات والهزائم.
والسؤال الأخير هل البغدادي يمتلك الشخصية الكارزمية الآسرة كما هو معتاد في مثل هذه الحركات طرحت هذا السؤال على مستر بن صحفي بالنيويورك تايمز وهو مهتم بشؤون الشرق الأوساط والجماعات المسلحة بالتحديد فقال وكم مرة ظهر البغدادي أصلاً حتى نسأل هل هو جذاب أم لا!