أحمد محمد الطويان
تساؤل.. من هو المسؤول الفاشل؟
قد يجيب مواطن بسيط، هو من يعتبر مشكلاتنا صغيرة وتافهة أمام أفكاره وطموحاته ورؤاه..
ويقول آخر، هو من يعتبرنا عبئا على وزارته أو إدارته، رغم أنه عُين لخدمتنا. وأضيف على ما سبق هو كل مسؤول اعتقد بأنه مخلّد على الكرسي، وأنه انتقل من مرتبة العاديين إلى مرتبة الاستثنائيين فور تعيينه.
المسؤول يبدأ فشله بتصور الكثيرين وهم محقون من اللحظة التي يقلع فيها عقله عن الواقع، وتدخله «رائحة البخور» وموائد الناس في حالة سُكر السلطة، وهي حالة مرضية مؤقتة «أحياناً»، أعراضها خادعة، ونهايتها أليمة.
لا يوجد على وجه الأرض إنسان بلا أخطاء، ولكن يوجد عدد ليس قليلا من البشر يقعون في الخطأ إما عن قصد، أو بمكابرة جعلتهم لا يتجنبون مسبباته.. المسؤول قائد، وللقائد مواصفات، ولا يمكن اختياره لمنصب أو لمسؤولية مالم يتمتع بالحد الأدنى من هذه المواصفات على الأقل، إذاً نحن أمام أشخاص جيدين في الغالب وتحولوا إلى الفشل، أو كانت نتيجة أعمالهم الفشل، وهذا يجعلنا نراجع مسببات الفشل بنظر المختصين ونربطها بالواقع، ووقع بين يدي كتاب قيّم هو:
The 12 Bad Habits That Hold Good People Back
من تأليف جيمس والدرووب وتيموثي بتلر، من خريجي كلية هارفارد للأعمال، ويستعرض اثني عشرة سلوكاً يؤدي للفشل، ولخص الكتاب السلوكيات الإنسانية غير السوية أو غير المقبولة وقرأ انعكاسها على السلوك الإداري، وكانت العينة مجموعة من كبار القياديين في قطاع الأعمال بالولايات المتحدة، منها التعالي والغطرسة، واعتقاد المسؤول بأنه الأكثر معرفة، والأكثر خبرة وهذا يجعله يفقد مفاتيح القيادة، كذلك عندما يضع خططاً كبيرة للنجاح ويستعجل الحصول عليه، ويهمل المشكلات الصغيرة بسبب استعجاله، أيضاً التشتت وعدم التركيز والابتعاد عن الهدف الذي بدأ طريق الوصول إليه.
هذا قليل من كثير لم يتناوله الكتاب من مسببات فشل القياديين، ولعل من الكثير الذي لم يذكر «الفساد» وهنا لا أعني سرقة المال فقط، ولكن يشمل باعتقادي سرقة أحلام البسطاء، وسرقة الوقت، وتعطيل العمل، وسوء التصرف، كل هذه أشكال للفساد التي تؤدي إلى الفشل والانكشاف.
ولأننا نبحث دائماً عن مواصفات المسؤول الناجح، لم نسأل يوماً عن المسؤول الفاشل ومواصفاته، والسبب يعود إلى عدم الحاجة إلى القراءة، لأن الفشل قد نراه في بعض الإدارات بأعيننا ونلمسه ونتحسسه، أما النجاح الذي يعتبر طفرة فردية غير سائدة وليست معدومة أيضاً في المجتمعات النامية على الأقل، نحن بحاجة للقراءة والاستزادة والتخيل في مواصفاته وشكله.
المسؤول الفاشل مفرّط لم يحافظ على الأمانة، ولم يراع ضميره في القيام بواجبات وظيفته، وأقنع نفسه بأنه يملك العصا السحرية، وبغطرسة كدرت العلاقة مع مرؤوسيه ونفرت المتعاملين مع إدارته من المواطنين، أصبح وحيداً، وغير مقتنع بنفسه ويستشعر الفشل ويتمادى أكثر، ويغرق أكثر.
لذا.. عندما يُعفى أو يقال المسؤول الفاشل سواء في العمل الحكومي أو الخاص، تكون هذه الإقالة إنقاذا من مصير سيئ ونهاية أسوأ من الواقع الإداري الذي تسبب به في وقت قصير.
لا يوجد مسؤول واحد يسعده ترك المنصب، لأن هناك دودة سلطوية داخل النفس البشرية تدفعه للتشبث، ويؤمل نفسه بأن ساعة واحدة إضافية على الكرسي قد تحقق له نجاحاً أو مجداً أو منفعة، وأن قيمته الاجتماعية مرتبطة بالكرسي، وبفقدانه سينزل إلى مرتبة العاديين والهامشيين!
الدرس الذي يتعلمه المسؤول كل يوم، هو تذكر سيرة من سبقوه، والتعرف على التجربة الإدارية لمنظومة عمله سواء كانت حكومية أو خاصة، واستخلاص العبر.. ثم عليه أن يلتفت إلى بشريته والحياة الدنيا، ويدرك أن الرسل وهم مكلفون من الله ومبعوثون منه سبحانه انتهت حياتهم كبشر، ولم يخلدوا... العبرة توقظ العقل.