أحمد محمد الطويان
تماماً مثل كل القرارات السيادية الكبرى، ككل القرارات الحاسمة والحازمة، والمواقف المبدئية الثابتة، يصدر صاحب القرار قراره السياسي ليحقق التنمية، نعم ليست ضغطة زر، أو ضربة بعصا سحرية، ولكنها بكل تأكيد اختيار الطريق ووضع المركبة عليه ومن ثم القيادة بحذر وثقة وبشيء من المجازفة..
..السرعة مطلوبة تماماً مثل الحذر، وفي الطريق منعطفات ومطبات وحفر، ولكن على جانبي الطريق أيضاً مناظر جميلة، وخدمات وترفيه وكل ما يجعل الرحلة ممتعة.. الوصول إلى المحطة الأولى يعني الانتقال من حال إلى حال أفضل.
في المملكة التفت صانع القرار إلى التنمية بمفهومها الشامل أكثر من مرة، وهنا اتحدث عن الاهتمام الذي أحدث نقلات كبيرة في تاريخ المملكة. ومرحلة التأسيس على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كانت كلها التفاتات إلى التنمية، ورغبة أكيدة في بناء صلب، وكانت تلك الأعمال التأسيسية بمقياس عصرها قفزات مهمة وقيّمة.. مرحلة ما بعد مؤسس الدولة كانت مرحلة أخرى فيها تحدياتها والمتعلقة بتطور الحياة واختلاف الأدوات والمعايير، وهذا تطلب التفاتة واستشعار، حدث هذا في 6 نوفمبر 1962 عندما أطلق الأمير فيصل بن عبدالعزيز -ولي العهد ورئيس الوزراء آنذاك خطابه الشهير المسمى «خطاب النقاط العشر» وكان بمثابة البيان الوزاري لحكومة جديدة ورؤية متطورة لزمن جديد، وحظيت بمباركة الملك سعود -رحمهم الله- وعندما تولى الملك فيصل الحكم تطورت النقاط العشر وكبرت إنجازاتها، خصوصاً في الإصلاح الاقتصادي، وفي تنظيم المالية العامة وصياغة رؤية فيها من التخطيط ما يضمن سيراً متزناً للتنمية، وبدأت الخطة الخمسية الأولى، في عهد الملك فيصل، عام 1970، وفاقت نتائجها كل التوقعات، رغم تحفظات كثير من الاقتصاديين والخبراء، حول قابلية مثل هذه الخطة للتنفيذ والاستمرار. التحدي الكبير الذي واجهه الملك فيصل منذ توليه المسؤولية كان في إصلاح الاقتصاد وتنمية الدخل، ومن ثم التخطيط وتحقيق ما يُخطط له على أرض الواقع، وكانت التفاتته للتنمية ملفتة ومؤثرة في حياة كل السعوديين، الذين قطفوا ثمار سياسته الاقتصادية لاحقاً.
التفاتات أخرى كانت مؤثرة في عهد الملك فهد -رحمه الله- والذي كان مهموماً ومشغولاً بالتنمية، وكان له السبق والريادة في فتح آفاق أرحب للاقتصاد السعودي رغم كل التحديات والظروف، وصنع منجزات كبيرة، والتفاتة في عهد الملك عبدالله -رحمه الله- كانت مؤثرة ومحورية، في نظرته للتنمية واقتصاد المعرفة، والاستثمار في الإنسان، وفي عهده ارتفعت أسعار النفط وتحققت طفرة ووفرة مالية.. اليوم نحن في زمن جديد وأمام تحديات عالمية كبيرة وجديدة أيضاً.. وما كان يعالج بالماضي بسهولة أصبح علاجه مكلفاً ومرهقاً، وعلى قدر التحديات وبحجمها جاءت الالتفاتة في عهد الملك سلمان -حفظه الله-، وصاحبها هذه المرة طموح كبير، وطريقة جديدة في الإدارة، ولا أحد يمكنه تقييم أو تعريف الحراك الإداري والإقتصادي الجاري والذي يستخدم أرقى مصطلحات عصرية يمكن الاستماع لها، ولكن الأكيد أنه مع الوقت والتجربة ستدرك «بيئة التنمية» أي نحن، أننا ننتقل إلى مكان آخر وبسرعة كبيرة، وهذا يذكرنا بالالتفاتات للتنمية والتي أحدثت تغييراً كبيراً، ولكن هذه المرة سيكون العمل مختلفاً والآليات أكثر تحرراً والخطوات أكثر اتساعاً بتصوري، لأننا قد ندخل إلى بوابة أوسع للتنمية بمفهومها الشامل وبرغبة ملّحة وإصرار لا ينهزم شعبياً وبالقرار السياسي.
طريق التنمية الذي وصفته في بداية المقال لا تسير فيه السيارات المهترئة، وما سيجري الآن ربما هو إصلاح السيارة وتجهيزها لتناسب الطريق الأقرب والذي سيختصر الكثير من الزمن رغم صعوبته، يجب أن نكون صادقين وواعين ومتيقظين، وحذرنا يجب أن لا يغلب شجاعتنا، وعندما نصل ربما سنقول للبترول شكراً لك كنت وقوداً للرحلة ولم تكن الرحلة ولا مكان الوصول.. ستبقى وقوداً يضيء ويحرك ولكن لست كل شيء... من حقنا أن نحلم ومن حقنا أن نفكر بالغد.