أحمد محمد الطويان
حَزَم القضاء السعودي وأعلن حكم القتل في وقت سابق بحق 47 إرهابياً، وحزمت الحكومة بتنفيذ الحكم القضائي يوم السبت الماضي، وحزم الشعب السعودي بتأييده لحكومته، ولم يطلق المواطن العادي تأييده ودعمه من باب مجاملة أو مسايرة، بل ليطوي صفحة مؤلمة تسبب فيها هؤلاء الإرهابيون بالكثير من الأذى، وبدون طائفية أو انحياز.. الانحياز كان للحق وللعدل ولدموع الفاقدين ولدماء المفقودين جراء إجرام المتطرفين.
أُعدم السني القاعدي والشيعي المتطرف، وفي وقت واحد، ولهذه الخطوة دلالاتها المهمة، وكان بإمكان سلطة التنفيذ تقسيمهم إلى مجموعات، ولكن كانت رسالة واضحة للجميع، بأن الإرهاب في عين الدولة واحد، وأن الجميع في عين القضاء سواسية، وأن ساحة القصاص وحزم القضاء لا يفرق بين أحد لا من حيث الحسب أو النسب أو القبيلة أو المذهب، والشواهد كثيرة ويعرفها السعوديون جيداً. نمر باقر النمر مواطن سعودي متآمر أُعدم ضمن المحكومين بالقصاص، وحاولت وسائل إعلام التركيز عليه، وتحويل إعدامه إلى قضية طائفية، وهذا غير صحيح إطلاقاً، بالنظر إلى التهم العشرين التي اعترف بها نمر دون أي ضغوط، بل عومل بما لا يحلم محكوم بجنحة في سجون إيران بأن يعامل مثله، وهذا بشهادة أقرب الناس إليه، وكان بالطبع يراهن على أن الدولة مشغولة عنه ومنشغلة بنفسها، وأن خلايا العوامية ستكون جماعة سياسية مؤثرة سيحسب لها ألف حساب، وبين ليلة وضحاها سقط بخلاياه ونواياه.
أما بكائيات طهران المسيسة بعد تنفيذ الحكم، أضاعت الفرصة على متطرفي القاعدة لإطلاق بكائيات مجلجلة، واكتفوا بعويل يطلق تهماً متناقضة وساذجة، كما شعر الإيرانيون ومن يوالونهم بالحرج نظراً لوجود متطرفين قاعديين نُفذ فيهم الحكم.. اختلط العويل، تماماً كما تلاقت مخططات الطرفان لإحداث القلاقل في المملكة.
التقطت صور للمحكومين يُعتقد أنها حديثة، قبل تنفيذ الأحكام بوقت قصير، وظهر فيها نمر بالزي السعودي الرسمي، بالثوب والشماغ، وكان بإمكانه عدم لبس الشماغ، ولكن ظهر بالمظهر السعودي الكامل، فهو ابن هذا البلد وأجرم في هذا البلد وبحق هذا البلد، ونال الجزاء بحكم قضائي يمثل قانون هذا البلد، ولا حق لأحد أن يعترض أو يتدخل، خصوصاً إيران، التي صنعته من العدم، وأعدمته بفعله الذي دفعته له، دون أن تحسب حساب الحكومة السعودية وحزمها عندما يتعلق الأمر بالأمن.
ربما نتفهم مواقف بعض الدول الأوروبية التي تتفق مع السعودية في ضرورة محاربة الإرهاب ولكنها لإعتبارات داخلية مرتبطة بنظامها السياسي والقانوني ترفض عقوبة الإعدام أو لا تؤيدها أو تشجعها، ونتفهم أيضاً أن لا تصل الصورة كاملة للدول ذات التاريخ العريق في الحقوق والتي يتمتع فيها الإنسان بالحياة الكريمة، وقد يكون لها رأي بالأحكام القضائية التي صدرت بالمملكة، بصورة عمومية شكلية، ولكن أن تنتقد الأحكام دولة مثل إيران فهذا مثير للضحك والسخرية.. دولة لا تستحي من نفسها ولا من الإنسانية ولا من المبادئ والأعراف الدينية والقانونية، محاكماتها صورية، وتهمها طائفية، وسجونها تعج بالمظلومين، وبأشكال التعذيب والتنكيل، وتنفذ الإعدامات بأبشع الصور والأساليب، وبظلم وطغيان يتجاوز حدود العقل والاستيعاب، وتحدثنا عن حقوق الإنسان، وبكل بجاحة يهدد مرشدها الأعلى المملكة معترضاً على إعدام الإرهابيين، وهو من يصدر الأوامر بالقتل بتهمة «الوهابية» بحق الآلاف في إشارة إلى ربط المتهمين بالسعودية، خصوصاً في الأهواز العربي المحتل.
مصيبة كبيرة أن يصدق الإعلام الغربي روايات الإيرانيين، وعجيب أن تسيطر أدوات الإرهاب الإيراني على مراكز إعلامية مؤثرة، وغريب أن يتجاهل الصحافيون الحقائق في السعودية، أو حتى تزويرها بقصد لمناصرة الدجل الإيراني.. وأعتقد أننا لسنا بحاجة لتبرير أحكامنا، أو أن نجهد أنفسنا بتفهيم من لا يرغب بالفهم، لسنا في موقع ضعف بل في موقع قوة وتأثير مهمين.
ردة الفعل الإيرانية التي ذكرتني بالفيلم الأميريكي الحائز على الأوسكار «ارقو» باقتحام المتظاهرين لسفارتنا في طهران وقنصليتنا في مشهد تؤكد بأن أدوات هذا النظام الفاشي الاستخباري لم تتغير، بل تزداد تخلفاً، وما زالت تحاول التذاكي بأن تظهر بمظهر «الدولة» لتغطي على ممارسات «الثورة»، تخرج قوات الباسيج بلباس مدني وتفعل كل هذا الشغب والنهب والتكسير، وتخرج وزارة الخارجية ببيان يستنكر الاعتداء، وهي من نظمته ودعمته وقسمت الرسميين المشاركين فيه إلى مجموعات وشفتات.
الخطوة السياسية المهمة قرار السعودية قطع العلاقات الديبلوماسية وطرد السفير والديبلوماسيين.. لأن السيادة خط أحمر، ولأن الألاعيب الايرانية أصبحت مملة ومقرفة، ولا يمكن تقبل المزيد من الكذب والكلام المعسول والفعل المسموم..
في يومين قطعت السعودية رؤوس إرهابية دون النظر إلى مذهب أو قبيلة، وقطعت العلاقة مع دولة الارهاب، وبحزم حقيقي يحدث فعلاً مؤثراً وليس ردة فعل، ولتكون الدولة التي ترى مصلحتها وتعمل من أجلها ومعها أشقاؤها الصادقون مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي اشتركت مع شقيقتها السعودية في الدم والمصير، وبخطوات سياسية واثقة بالنهج السعودي في مواجهة أزمات الأقليم.