محمد بن عبدالله آل شملان
أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري من الشخصيات السعودية التي لا يمكن أن تُنسى على مر الزمن، من أولئك الذين لهم دورهم المميز في الحياة الثقافية والفكرية والأدبية، كان ولا يزال كتلة إيجابية من النشاط، عمل رئيساً للنادي الأدبي في الرياض، ورأس تحرير مجلة التوباد ولا يزال، ورأس تحرير مجلة الدرعية التي يملك امتيازها، فهو موجود في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وكان في إمارة المنطقة الشرقية بالدمام، وفي ديوان الموظفين العام (ديوان الخدمة المدنية حالياً)، كما أنه عمل في الرئاسة العامة لتعليم البنات، وفي الاستشارة الشرعية لوزارة الشئون البلدية والقروية، والإدارة القانونية بالوزارة ذاتها.
أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري هو عالم بالقرآن وتفسيره وعالم بالحديث صحيحه وضعيفه، وفقيه وأديب ومتقن لعلم الكلام والفلسفة، كما اهتم في شغف بكتب الإمام علي بن حزم الأندلسي تحقيقاً وترجمة. إضافة إلى تتلمذه على يد مجموعة من العلماء أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ أبوتراب الظاهري، هذا التوازن الحكيم جعل الظاهري يرفد المكتبة العربية الإسلامية بروائعه، ونثر مقالاته الدسمة وبحوثه الرصينة في صحف ومجلات المملكة. وأكسبته صفة عالم ببواطن المعرفة وروافد الثقافة وجداول الشعر.
في الجنادرية الـ 30 حين تكرمه القيادة الرشيدة، في الحقيقة أنها تكرم ذلك الجيل الذي عمل ليلاً ونهاراً من أجل المستقبل الثقافي والأدبي الذي نحياه نحن الآن، والذي سيحياه أبناؤنا وأحفادنا فيما بعد، آخذين بعين الاعتبار العِبر ممن سبق، مع التركيز على ما هو آت. وهو النهج الذي أفرزته التنمية الشاملة التي حرصت الدولة منذ عهد الملك المؤسس - طيب الله ثراه - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ على دعم تحديث المجتمع وتطويره مع الحفاظ على هوية المجتمع وترسيخ تكوينه الثقافي والأدبي.
أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري من المؤمنين بأهمية الإنسان المتعلم، وبأنه هو الذي سينير الطريق للأجيال الشابة القادمة، بخبراته العميقة، ووضوح الرؤية لديه.
حين يرونه رواده وضيوفه ويقابلونه وجهاً لوجه تشعر بتواضع الكبار، وأنه يحترم كل إنسان، وقد استفاد منه كل الطاقات العربية أو الأوروبية بما فيهم المستشرقين من الجامعات الغربية الذين يعدون الظاهري مرجعاً في تاريخ الجزيرة العربية بشكل عام والمملكة بشكل أخص وأشمل.
أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري يحمل في ذاكرته تاريخ وأدب وثقافة الوطن، هذا المخزون الذي ساهم في صنعه مع أقرانه الذين وضعوا لبنة وأساس هذا المخزون التي نتباهى بها الآن بين دول العالم كله، ولا أشك في زخم وثراء ذاكرة الظاهري وما بها من تراكمات وخبرات طويلة، منذ شبابه وأثناء دراسته الجامعية في كلية الشريعة بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية وصولاً إلى نيله الماجستير من المعهد العالي للقضاء بالرياض في علوم التفسير.
وآثاره التي لا حصر لها في كنوز الأدب والمعرفة، هذه الآثار التي تُعد من تاريخ وتراث الوطن، ومن حق الوطن على أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري وأمثاله أن يسجلوا له هذا التراث وهذه الثقافة والأدب، والتي بلا شك، ستكون معيناً ونبراساً للأجيال القادمة الذين يجب أن يعلموا كيف كانت مسيرة هذه الشخصية الوطنية العصامية ليستفيدوا منها.
بمناسبة تكريم الجنادرية الـ 30 لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري نرجو منه أن يقوم بكتابة مسيرته منذ البداية ودوره في عملية الثقافة والأدب؛ وذلك لتدرك الأجيال الجديدة كيف كانت البدايات وكيف وكم تطورت وقامت عوامل التأثير في النبوغ بمؤثر الدين وأخلاقياته الحميدة، والانتماء للوطن، وصولاً إلى القواعد الأخلاقية التي اكتسبها الظاهري في بيئته الأسرية ومجتمعه وتقاليده وموروثه الثقافي والأدبي والتاريخي.
وسأقدم فيما يلي بعضاً من انطباعات في عيون المثقفين الذين أدلوا بشهاداتهم عنه، وهي شهادات تقدير واحترام وإعجاب لتتضح آثار الظاهري التي فرضتها. يقول الدكتور غازي القصيبي: «من هو أبو عبد الرحمن؟ فقيه أم مفسر أم أديب أم باحث أم كاتب أم شاعر فصحى أم شاعر نبط أم مؤرخ أم صحافي أم محقق أم جغرافي أم روائي أم كاتب ساخر أم قاص أم ناقد؟.. أبو عبد الرحمن هذا كله وأكثر من هذا كله بكثير».
وقال عنه الأديب ياسين رفاعية: «أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري قيمته في هذا المزج الجميل بين المعاصرة والتراث بين القديم والجديد، فهو ليس متعصباً أو متطرفاً، لأنه بما ملكته ذاكرته من علم وفكر واطلاع واسع ومحاكاة لكل الثقافات ماضيها، وحاضرها؛ مترجمة إلى العربية أو مؤلفة، صار باستطاعته أن يكشف الغث من السمين، الحق من الباطل والجوهر من الزجاج المزيف».
والشاعر عائض بن عبد الكريم القرني نسج ملحمة شعرية تشيد بمناقب الظاهري الأديب القديم الحديث منها:
لصدرك من وقد الغرام زفير
وللرأس من صبح المشيب نذير
وطوراً له في الفقه سيف ودولة
وعلم القوافي منبر وسرير
تمثل فيكم سيبويه وثعلب
ويطرب منكم جرول وجرير
تنافح عن دين النبي محمد
كليث له وقت الهياج زئير
فإن لم ألاق بالقوافي ضلوعه
فلا زارني طول الحياة سرور
وبعد، فتحية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي يتبنى كل عام تكريم شخصية سعودية رائدة لها حضورها ونشاطها، ونسأل الله أن يمد في عمر الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري؛ ليواصل مسيرته الأدبية والثقافية الحافلة.