محمد بن عبدالله آل شملان
الرياض عاصمة هذا الوطن الكبير (المملكة العربية السعودية) وأكبر مدنها وأكثرها ازدحاماً، حافلة بالمعالم التاريخية والرموز الحضارية التي تحتمي الذاكرة بفلاش باك (أسود وأبيض) لأيامٍ خلت تشع من بين مواضعها لمحة تاريخ حافل عن تلك المعالم والرموز الثرية.. ومن على مداخلها وأبوابها الكبيرة العتيقة تسمع صوت صرير ينبهك قائلاً: إن ثمة حياة ماضية كانت هنا.
في عيد هو الأكبر عند المسلمين: عيد الأضحى المبارك. التقديرات تشير إلى أن أكثر من 10300 زائر تاقت مشاعرهم بالإحساس بالفرح، وصادفت أيامهم فرصة التعايش الذهني في الذكرى الجميلة، وشموا رائحة التاريخ الزكي التي حاصرت عقولهم ودفعتهم دفعاً للرضوخ لإرادتها ولتهويمات همس أحداثها وأشعلت الحنين وبدأ الصراع بين صور الماضي وواقع الحاضر من خلال فعالية «جولة في قصر الحكم» التي نظمتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس الهيئة العليا.
هذه المرة التقت في وطننا الحبيب مناسبتان: مناسبة عيد الأضحى المبارك ومناسبة فرحة اليوم الوطني الـ85 وهي المناسبة التي انبرى فيها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - لقيادة طموح وأشواق الوحدة بعزم أكيد وهمة لا تفتر ويختار المصاعب تلو الأخرى محققاً تلك الوحدة الباهرة في ملحمة تسجل بمداد من نور.
لكن الذي حدث هو أن سكان الوطن استفاقوا على حقيقة تاريخية مصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - حفيد مؤسس الدولة الأولى وابن مؤسس المملكة الحديثة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي ائتُمن على الرياض وتطويرها، حينما استعاد القيمة الذاتية والمعنوية لمنطقة قصر الحكم التي شهدت الميلاد الحقيقي لمدينة الرياض.. فقد عمل الملك الحازم وقت ذاك ما بوسعه لاستعادة منطقة قصر الحكم المنسية إلى واجهة المشهد التاريخي - قصداً وبكل فخر - وكانت حساباته الوطنية المتسعة ونزعته التاريخية لاجتذاب العقل هي التي دفعته إلى هذا السلوك، عندما مضى بمثابرة عجيبة على إبقاء اصطفاف وصال الماضي العريق بالحاضر الزاهر في وطننا العزيز، وتجسيد اتصال التاريخ بالتاريخ من خلال وفاء الأبناء لأمانة الآباء، الذي يركز بالتحديد على تغذية الذاكرة عبر المعاني النبيلة للوجدان السعودي عبر الأجيال والسنين، حيث كان القصر منطلقاً لتأسيس الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام تركي بن عبدالله.
لقد مضى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مهمة استعادة الآثار التي شهدتها منطقة قصر الحكم، نتيجة الطفرة العمرانية التي شهدتها الرياض وظهور أحيائها الجديدة، وانتقال النشاطين التجاري والسكاني إلى أجزاء أخرى من المدينة، حيث عانت منطقة قصر الحكم أواخر القرن الهجري الماضي، من الأعراض التي تعانيها المناطق التاريخية في معظم المدن الحديثة، ومنها هجرة السكان وضعف البرامج الاجتماعية والاقتصادية وتراجع اهتمام السكان بالمنطقة.
المواطنون من مختلف فئات المجتمع، ومن كافة الأعمار والجنسيات، تمغنطت أقدامهم على المسير بالجولة في ردهات قصر الحكم وتعرفوا على مكوناته وأجنحته، التي شاهدوها لأول مرة خلال هذه الفعالية. وشاهدوا خلال الجولة الأفلام الوثائقية عن كل من: تاريخ قصر الحكم، وتاريخ البيعة في المملكة، وتاريخ أمراء منطقة الرياض. كما استمتعوا أيضاً بزيارة معرض الصور التاريخية النادرة للملك المؤسس، والتقطوا الصور التذكارية أمام مكتب خادم الحرمين الشريفين ومكتب سمو أمير منطقة الرياض، وقاعة البيعة والصالات الكبرى التي يحتويها القصر وشهدت العديد من المناسبات الوطنية. كما اطلعوا خلال الجولة على عناصر مشروع تطوير منطقة قصر الحكم الذي قامت عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
لم تكن منطقة قصر الحكم بهذا الاهتمام التاريخي من المواطنين، لكأن الأقدار أرادت أن يتعرفوا على جزء من تاريخ وطنهم الذي أسسه بإتقان الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - وتلبَّس ثوب العدل والمساواة التي ينشدها هذا الوطن وقيادته الرشيدة، ليعلم الجميع أن هذا المعلم التاريخي لم يكن جامداً بل كان متحركاً يصوغ التاريخ ومعطيات الحضارة والتطور والتفوق ويشكِّلها بامتياز.
أجدها فرصة في امتداح هيئة تطوير الرياض التي عملت بتجلٍّ فريد وعمل متقن في هذه الفعالية التي أدعو لتكرار تجربتها، والشكر موصول لعضو الهيئة العليا لتطوير الرياض، رئيس مركز المشروعات والتخطيط في الهيئة، المهندس إبراهيم بن محمد السلطان، ووكيل إمارة منطقة الرياض عبدالله بن مجدوع القرني، والمستشار الخاص والمشرف العام على مكتب سمو أمير منطقة الرياض سحمي بن شويمي بن فويز، والعاملين في إمارة المنطقة والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
قطفة
الذكرى الجميلة كنز ثمين، علينا ألا نسمح للصدأ أن يقترب منه، وألا ندع الغبار يستريح عليه.. علينا أن نتعهدها بالاستذكار، والاسترجاع.. ولا بأس بالاجترار.