إبراهيم عبدالله العمار
اقرأ العنوان مرة أخرى. ماذا تظن؟ كل الناس سيقول: نعم، الأذكياء أنجح من غيرهم دائماً.
لكن الإجابة مفاجئة: لا. الأذكياء ليسوا بالضرورة أنجح!
لا تفتأ الحياة تعاكس التوقعات، فالذكاء صفة هامة، لكن كيف لا تكون هي أكبر معين على الإنجاز والتفوق؟
السبب: هناك عامل آخر أهم من الذكاء العقلي. إنه مجال جديد نسبياً لم يُعرَف أو يدرَس في السابق لكن اليوم بدأ العلماء يهتمون به لِما رأوه من عظمة تأثيره، ألا وهو الذكاء...الشعوري.
ما هو هذا؟ الذكاء الشعوري Emotional Intelligence هو أن تكون ذكياً في مشاعرك وتصرفاتك. الذكي شعورياً يتعرف على مشاعره ومشاعر الآخرين، ويفرق بين أنواع المشاعر ويصفها بصحة، ويعتمد على هذه المعلومات في تصرفه ليفعل الشئ الصحيح.
لا شك أنه مر عليك الشخص الذي لا يشعر بالآخرين، وقد يبغضه الناس أو يضجرون منه ولا يدري ولا يستطيع أن يستوحي هذه المعلومات من نبرة الصوت أو لغة الجسد أو ملامح الوجه. أو الشخص الذي ينفجر غاضباً على أتفه الأشياء ثم يعود بعدها بدقائق ليعتذر ويضحك وكأنه لم يفعل شيئاً. هل مر عليك من يلقي تعليقات غير لائقة أو مسيئة ولا يقصد الإساءة؟ إنه لطيف لكن «ما عنده حس» كما يقال، لا يدري عن تأثير كلماته. هؤلاء ليس لديهم الكثير من الذكاء الشعوري.
هل صاحب حاصل الذكاء العالي IQ أيضاً لديه ذكاء شعوري عال؟ ليس بالضرورة، فالاثنان منفصلان ولم يجد العلماء أي رابط بين الاثنين. هذا يعني أنه يمكن أن يكون الشخص بالغ الذكاء لكن فاشل في علاقاته، وشخص عادي الذكاء وكل الناس تستمتع بوجوده وتَسعد بمساعدته.
ما أمثلة الذكاء الشعوري؟
أنت في صف دراسي أو بين زملاء العمل، وأنتم تتحادثون، تُلقي نكتة ويضحك منها الحاضرون، لكن تلتفت إلى أحدهم وإذا به جامد الوجه، أقرب للتقطيب، لا يضحك حتى مجاملة. نفس الشخص لا يضحك إلا نادراً حتى لو ضحك الذين من حوله. هذا شخص ذو ذكاء شعوري ضعيف. وعكسه صحيح: الشخص الذي يضحك على كل كبيرة وصغيرة ويحاول صنع طرفة من كل شئ حتى في المواقف الجادة، ولا يشعر بعدم ضحك الناس وربما انزعاجهم من هزله الزائد.
مثال آخر: الشخص الذي يقاطعك ليتكلم عن صغائر. أنت في محاورة جادة مع أحد وعلى وجهك ومحاورك كل ملامح الاهتمام والتركيز، وإذا بهذا الشخص يناديك: «فلان، فلان، فلان»، ولا يتوقف حتى ترد عليه، فإذا قطعت حوارك مع صاحبك والتفتَّ لهذا متضايقاً قال: «هل رأيت هذا العصير الجديد؟ يبدو لذيذاً!». إنه لا يتعمد يضايقك لكنه ضعيف الذكاء الشعوري.
مثال أخير: الشخص الذي يجادل حتى آخر لحظة حتى في أمور لا تستحق، ولو أدى لإفساد العلاقة بينه وبين الآخر. قد تكون المسألة عن شيء تافه مثل «أي فريق رياضي أفْضل هذا الشهر؟» ويتجادلان لكن أحد الاثنين يجادل بشدة وبرفع الصوت ويصر أن ينتصر، ولو حاول الآخر التوقف لكي لا تتفاقم المسألة يزيد صاحبنا «العيار» ويتهمه أنه انسحب وخسر المناظرة. لا ذكاء شعوري هنا.
ختاماً، سؤال هام: أيهما أهم الذكاء العقلي أم الشعوري؟ أيضاً مفاجئ، فقد وجد العلماء أن أصحاب الذكاء العادي ممن لديهم ذكاء شعوري عالٍ يتفوقون على أصحاب الذكاء العقلي العالي 70% من الوقت! هذا شوّش تفكيرنا الذي يَفترض أن الذكاء سبب النجاح. أدرك العلماء أن ثمة سبب آخر غير الذكاء وبعد سنين من البحث ودراسات لا حصر لها اكتشفنا أن ذاك هو العامل الفاصل...الذكاء الشعوري.