جاسر عبدالعزيز الجاسر
ليست الدول العربية فقط هي التي تعاني من تمدد التشيّع الصفوي، إذ إن العديد من الدول الإفريقية أصبحت هدفاً لنشاط البعثات الصفوية التي تتخذ من الدبلوماسية غطاءً لها، مما جعل تلك الدول مراكز لتجمعات التشيّع الصفوي الذي يختلف، بل يتناقض مع التشيّع العربي الذي ينكر بدعة ولي الفقيه التي يروّج لها الصفويون للسيطرة على أتباعهم وربطهم بالعرق الفارسي، وقد تكثّفت المنظمات الصفوية الشيعية في إفريقيا وبالذات في جنوب الصحراء الكبرى وزادت نشاط ومساحة الفكر الصفوي في مناطق تركُّز المسلمين في القارة الإفريقية.
فمنذ نجاح خميني في الاستيلاء على السلطة في إيران في عام 1979م عمل نظام ملالي إيران على تصدير الفكر الصفوي وتفصيله كأدة من أدوات السيطرة والتدخل في سياسة نظام الملالي، ولا تعد إفريقيا استثناءً عن تلك السياسة، فخلال الأيام القليلة الماضية شهدت مناطق متفرِّقة في نيجيريا مواجهات بين الأجهزة الأمنية النيجيرية وأنصار إبراهيم الزكزاكي الذي نصَّبه الصفويون كبيراً لهم في نيجيريا ويطلقون عليه خميني نيجيريا، حيث ينشط الصفويون في ولايات زاريا شمال غرب العاصمة الاتحادية أبوجا، ومنطقة كادونا بالحزام النيجيري الأوسط.
وقد زوّدنا مكتب (الجزيرة) بالقاهرة بتقرير عن نشاط الصفويين، ومنها قيام عناصر صفوية في منتصف ديسمبر الماضي باغتيال الكولونيل توكور بوارتابي مسؤول قوات الدفاع الإقليمي في الجيش النيجيري؛ الأمر الذي استدعى رداً أمنياً وعسكرياً، أسفر عن سقوط ألف قتيل من بينهم نجل الزكزاكي.
وعلى مدار عقود منذ انطلاق الخومينية سعت طهران إلى نشر المذهب الصفوي في التجمعات الإسلامية في إفريقيا جنوب الصحراء وفي مقدمتها نيجيريا التي يشكِّل المسلمون فيها نسبة تفوق نصف سكانها البالغ عددهم 160 مليوناً، ومن المعروف تاريخياً أن جماعة بوكو حرام المتطرفة التي تدين الآن بالمذهب السني كانت قد نشأت على أيدي قيادات منهم من اعتنق الأفكار الصفوية بعد انطلاق الثورة الإيرانية بأعوام قليلة، وعادت إلى المذهب السني فيما بعد.
وتجدر الإشارة إلى أن محمدو يوسف زعيم بوكو حرام المعروف الذي لقي مصرعه عام 2009 في مواجهات مع الشرطة النيجيرية كان يدين بالأفكار الصفوية في منشئه وكان من تلامذة «خوميني نيجيريا» إبراهيم الزكزاكي قبل أن ينشق عنه ويتبنى الأفكار التكفيرية التي قامت على أساسها جماعة بوكو حرام.
ويقول مقرّبون من الزكزاكي إن طموحه هو إقامة دولة إسلامية شيعية في نيجيريا على غرار إيران، وبحسب إبراهيم هارونا حسان أستاذ الدراسات الدينية في جامعة جوس بوسط نيجيريا يقوم الزكزاكي بنشر أفكاره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مع أتباعه ومريديه مستخدماً لغة الهوسا في نيجيريا، كما تنتشر بين مسلمي نيجيريا أشرطة كاسيت وسيديهات عليها خطبه ومحاضراته، ومنها ما هو مدبلج بالإنجليزية، تماماً مثلما كانت إستراتيجية الخوميني في استخدام الكاسيت للتبشير بثورته إبان حكم الشاه بهلوي في إيران.
وخلال العام الماضي لقي قرابة 33 من أنصار الزكزاكي مصرعهم في اشتباكات مسلحة مع الأمن، وضبطت بحوزتهم أشرطة تعليمية لصناعة القنابل البدائية وتجهيز العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات، ورغم عدم وجود إحصاءات حول أعداد الصفويين في نيجيريا يقول الخبراء إنهم يتراوحون ما بين 4 إلى 10 ملايين من أصل 60 مليون مسلم يعيشون في نيجيريا. وفي عام 2007 قتل مجهولون عمر دانماشايا في سوكوتو بشمالي غرب نيجيريا وقيل وقتها إن نشاطه الزائد في نشر الأفكار الصفوية في مساجد الولاية قد استفز من قتلوه.