غسان محمد علوان
ما زالت أنديتنا الرياضية تحبو خطواتها الأولى في طريق الاحتراف الحقيقي الذي يضمن لها مداخيل كافية ووافية لاستمرارها في المنافسات وتحقيق أحلامها وطموحات محبيها.. وما زلنا نستغرب إحجام الشركات الكبرى عن الرعايات الرياضية بشكل كبير، رغم تحقق (أحد) الأهداف التسويقية لها عبر شريحة كبيرة جداً من المتابعين للرياضة.
لذلك يجب علينا ابتداءً التفريق بين الإعلان أو الدعاية وبين الرعاية.. فالهدف من الإعلان عادة ينقسم إلى قسمين: إما إشهار للعلامة التجارية طمعاً في اقتطاع حصة سوقية أكبر من المنافسين، أو يكون الإعلان للتعريف بمنتج جديد أو خدمة تجارية جديدة تسعى الشركة لإيصالها للفئات المستهدفة.. ويجتمع النوعان بمدة محددة وفي وقت محدد عبر الوسيلة الإعلانية التي يرونها الأنسب لإيصال رسالتهم التسويقية. في حين أن الرعاية (في الرياضة تحديداً) هي أقرب للشراكة بين المنشأة التجارية والجهة التي تمت رعايتها (نادٍ، مسابقة، اتحاد).. فمن خلال هذه الرعاية يتسنى للراعي تنفيذ العديد من الخطط التسويقية التي تقع تحت مظلة الرعاية تلك، ونتيجة لذلك ترتفع قيمة الرعاية بشكل كبير عن مجرد الإعلان.. فمن خلال الرعاية يستطيع الراعي تثبيت تواجده في محفل يلقى قبولاً ومتابعة من الفئة المستهدفة، فيتصدر الخيارات الشرائية لا شعورياً في عقل المستهلك عندما تتساوى الخيارات أمامه.. ومن خلال الرعاية أيضاً يتم استغلال النجوم والأسماء المعروفة التي تنتمي للجهة التي تمت رعايتها لزيادة الولاء للمنتج، وإضفاء بعد عاطفي آخر يتولد من محبة هذا الاسم الشهير ويستفيد منه المنتج والراعي بشكل مباشر. والرعاية أيضاً، تعطي الراعي الفرصة للتسويق المباشر عبر حملات صغيرة مرتبطة بلقاءات الفريق عبر خصومات لحاملي تذاكر اللقاء، أو عند تحقيق بطولة أو عند استقطاب نجم جديد.. وهذه الحملات رغم ارتباطها عادة بالخصومات إلا أنها تحقق هدفاً أكبر بزيادة رقعة العملاء وعدد زياراتهم للمنشأة التجارية أو الاستفادة من منتجاتها، والذي يضمن لها رغم الخصومات تحقيق مكاسب أكبر بكثير تتعلق بتقليص التكاليف الثابتة بشكل كبير جداً.
كل ما سبق هي نظريات تسويقية حقيقية تمارسها جميع الشركات والمنشآت التجارية، فلماذا نرى ذلك الإحجام عن تطبيقها في المجال الرياضي؟.. بكل بساطة، تقع المسؤولية على مبرمي تلك العقود من الطرفين والتي هي أقرب بكثير للدعاية منها للرعاية، فتنتفي كل تلك العوائد المغرية من الرعاية لتصبح مجرد دعاية غالية الثمن يسهل استبدالها بما هو أقل تكلفة منها. الشركات المسؤولة عن التسويق حالياً تعجز عن صنع خطة رعاية متكاملة الأطراف تضمن الاستمرارية وتغري من لم يجربها. هي أقرب للسمسار الذي يبحث عن عقد عابر، تحصل من خلاله على عمولتها بغض النظر عن رأي العميل بعد نهاية العقد أو رغبته في التجديد لاحقاً. وتشارك إدارات الأندية في تلك المسؤولية أيضاً متى ما ارتضت لنفسها عقداً مالياً ضخماً (بالمقارنة فقط) اليوم، لتصبح غداً بلا أي راعٍ يرغب في دفع نصف ما تم دفعه سابقاً.
السوق التجاري الرياضي يملك كل عوامل النجاح، ولكنه ما زال يفتقر لمن يجمع كل تلك الخيوط المتشابكة لمصلحة جميع الأطراف. لذلك، ندعو الله أن تكون الاستفاقة خياراً وليس إجباراً بعد أن يصبح هذا السوق منفراً لكل من يملك السيولة لضخها فيه.
خاتمة
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله).. رواه الترمذي وحسّنه، وصححه الألباني.
اللهم انصر إخواننا في الحد الجنوبي وسدد رميهم واجزهم عنا خير الجزاء، اللهم آمين.